218-TRIAL- الصراع المؤجل والمحتوم على القرار الاممي بشأن انهاء الاحتلال وتحديد حدود دولة فلسطين، ليس فقط قراراً آخر بل هو تحميل للمجتمع الدولي لمسؤوليته وواجباته تجاه دولة عضو في الجمعية العامة هي دولة فلسطين، وهو صراع يخرج بهدوء وبروية إلى السطح تدريجياً ويشتد النقاش حوله. من المؤكد ان مثل هذا القرار سيحتاج لمعركة قاسية في العواصم تحديداً عواصم الدول الكبرى من أجل تأمين التصويت عليه بالحد الادني المطلوب للأصوات التسعة. 
ومرة بعد أخرى ستستخدم واشنطن ضغطها السياسي والمالي على الدول من أجل اعاقته. 
لكن المؤكد ان الطريق إلى الدولة سيحتاج مثل هذه المعركة. إنها استكمال للمعركة السابقة التي بدأتها القيادة الفلسطينية بعد تعثر المفاوضات وتعليقها بسبب الاستيطان. ورغم فشل المحاولة من الطلقة الاولى عقب عدم تمكننا من الحصول على تسعة أصوات إلا أن الهجوم في المرة الثانية كان قوياً وصاعقاً حيث صوتت دول العالم مع فلسطين وقالت إنها مع ان تصبح هذه البقعة الجغرافية عضواً في نادي الدول. 
وكانت صدمة إسرائيل كبرى بعدم اعتراض أي من دول أوروبا الكبرى الحلفاء التقليديين على عضوية فلسطين، بل جاء الرفض الوحيد من جمهورية التشيك ذات السياسات اليمينية ولأسباب كثيرة أخرى. 
وجدت إسرائيل نفسها وحيدة مع مجموعة من الدول لا تتجاوز عدد أصابع اليد فيما تقف فلسطين محاطة بأكثر من ثلثي دول العالم إما تصفق لها (موافقة) أو تبتسم (ممتنعة).  هكذا بدأت المعركة وهي مستمرة. إنها انتفاضة دبلوماسية مستمرة ولن تتوقف حتى يقر العالم بمسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني ويعمل على تنفيذ هذه المسؤوليات وفرض السلام على إسرائيل. 
الانتفاضة الدبلوماسية هي استمرار لكل أشكال انتفاضات الشعب الفلسطيني المتنوعة والمتعددة المسارات والسرعات من انتفاضة الحجارة وانتفاضة النفق حتى انتفاضة الاقصى والانتفاضة في القدس الآن وانتفاضة المقاطعة ونزع الشرعية عن إسرائيل إلى الانتفاضة السياسية والدبلوماسية. 
عملية متكاملة بحاجة اكثر من أي شيء إلى تصويب البوصلة الوطنية داخلياً من اجل وقف النزف في الجهد وهدر الطاقات تجاه تسخيرها في خدمة المعركة الكبرى مع الاحتلال.  إن المؤلم في الامر أنه كلما تقدمت هذه المعركة مع الاحتلال في الساحات الخارجية تعطلت مسيرة الوحدة الوطنية، في تناقض مهول لمنطق الأشياء. 
في أتون الخلاف الداخلي بعيد التفجيرات ضد بيوت بعض القيادات الفتحاوية في غزة ، فإن حجم التناقض بدا اكبر من ابتسامات رجالات المصالحة العريضة وحديثهم عن المستقبل الزاهر، الذين اشاطرهم الرأي بأنه زاهر فعلاً لذا يجب انقاذه من براثين العابثين بالمصالحة الذين لا يريدون لها ان تحيا، وهم قلة بالمناسبة رغم كثرة أفعالهم وقسوة جرائمهم.
أظن أن على حماس الآن ان تضع الخلافات جانباً، وتقصي تفسيراتها لسيرورة المصالحة التي باتت في غيبوبة، وتلتفت إلى المعركة الاهم التي تخوضها القيادة الفلسطينية في أروقة الامم المتحدة من اجل تثبيت الحقوق الوطنية الفلسطينية، حتى لو كانت تلك الحقوق منقوصة لكنها الشيء المتاح الذي بضياعه يكتمل غرق التايتنك الوطني، ويصبح من المتعذر إنقاذ شيء. 
هذه المعركة ليست معركة محمود عباس ولا هي معركة حركته فتح ولا هي معركة التيار الوطني، إنها معركة الوجود الفلسطيني الذي يجب التأكيد على نقل وجوده من مجرد مقولات وطنية عاطفية إلى مواد قانونية وقرارات اممية، وبذلك التركيز على المواءمة بين رفض الاحلال والاستبدال الذي قام عليه المشروع الصهيوني وبين الإصرار على التمسك بالأرض وبالبقاء عليها. 
وقد يكون من المفيد التذكير أن مشروع إسرائيل كدولة أقيمت على أنقاض فلسطين لم يكن اكثر من جملة من القرارات الاممية وبعض الوعود الصادرة عن هيئات ودول وأفراد وربما أشهر هؤلاء سيئ الذكر اللورد بلفور بوعده المشؤوم مروراً بقرار التقسيم الذي منحت لأجل ضمان التصويت عليه بعض الدول الاستقلال من مستعمرات بريطانيا تحديداً.. 
وقد يقول البعض إذا كان الامر كذلك فلماذا نحاول هذا السفر، وكل البلاد مرايا وكل المرايا حجر، بكلمات درويش، وهو قول يعكس حالة الإحباط من تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته ازاء السلم والأمن الدوليين اللذين هما في صلب اهتماماته ومسوغات وجوده. 
فالمجتمع الدولي صامت أخرس حين يتعلق الأمر بالتهام إسرائيل لفلسطين واعتداءاتها على مقدرات الشعب الفلسطيني، بل إنه يساهم بهذا الصمت في تمكين إسرائيل من القيام بالمزيد من الجرائم. 
وهو قد يتحرك في أي مكان في العالم وقد يأمر الدول الأعضاء بتحريك الجيوش ويمنحها شرعية التحرك وتنفيذ الإرادة الدولية، لكنه حين يتعلق الامر بحقوق الشعب الفلسطيني ترتفع حساسيته وتنكشف عورة موازين القوة القاهرة، حيث يصبح صوت واشنطن أكثر اهمية من صوت 193 دولة في العالم. 
إنها الانتفاضة الدبلوماسية التي يجب على حماس أن تشارك بها مثل بقية الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. 
وهي انتفاضة تتصادم بشكل عنيف في مرات كثيرة مع الاحتلال، وهي تقوض مصالحه وتنهي جزءا من تصوراته ومشروعه الاحلالي الاستيطاني. 
على حماس أن تقف بكامل قوتها خلف المواجهة الفلسطينية القادمة التي لا تقل بطولة وشراسة عن الصمود الاستثنائي للمقاومة والشعب الفلسطيني في وجه العدوان الاخير على غزة ولا عن قتال شعبنا للتهويد في طرقات القدس العتيقة وتلال القدس الزاهية. 
وإذا كان الامر كذلك فلا بد من إعادة تصويب البوصلة وتخفيف الاحتقان وعودة المصالحة إلى عملية المصالحة، وعودة الوحدة إلى الوحدة الوطنية، وتعزيز اللغة المتصالحة الداعمة للمواجهة الدبلوماسية مع الاحتلال إعمالاً للحقوق الوطنية وتأمين أقل قدر منها، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

100

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد