2014/11/30
261-TRIAL-
في الخلفية، شاشة عرض كبيرة، تبث مقاطع فيديو تظهر مستوطنين إسرائيليين يعتدون على فلسطينيين ويضرمون النار في حقولهم، ويطلقون النار على ماشيتهم ورعاتهم، بينما أطفال المستوطنين يرمون الفلسطينيين بالحجارة، وسكارى إسرائيليون في عيد المساخر يطرقون أبواب منازل الفلسطينيين، ويكتبون شعارات حاقدة على جدرانها بينما جنود إسرائيليون يطلقون النار على متظاهرين فلسطينيين.
هذا المشهد الخلفي يتحرك على الشاشة بينما الراقص الإسرائيلي المولود القادم من بيلاروسيا إلى إسرائيل عام 1990، اركادي زايديس يقوم برقصات تشير إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الإسرائيلي، جرى ذلك على أهم مسارح باريس، في إطار مهرجان "افينيون" الشهير.
على مسافة ليست بعيدة من مهرجان افينيون، أجرى البرلمان الفرنسي "الجمعية الوطنية" حواراً ونقاشاً حادين، بين مختلف القوى والأحزاب الفرنسية الممثلة في الجمعية الوطنية، بهدف الإعداد للتصويت في الثاني من كانون الأول القادم، تصويتاً رمزياً على الاعتراف بدولة فلسطين، كما جرى الأمر في كل من بريطانيا وإسبانيا مؤخراً، النقاش الحاد، جرى بين الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي، التي بادرت إلى تنظيم هذه الدعوة وهذا النقاش، وبين كتلة حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" المعارض، والمعارض للنقاش من حيث المبدأ.
الحزب الاشتراكي صاحب الدعوة، برر تنظيمه لهذه المبادرة بأن الطرق نحو الوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين باتت مغلقة، وعلى فرنسا أن تبادر بموقف مسؤول ودور إيجابي لحل هذا النزاع، من خلال فرض السلام على الجانبين، ودور فرنسا في هذا السياق لا يجب أن يتخلف عن السويد وإسبانيا، وهذا يجب أن يبدأ قبل اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة بسبب السياسة الاستيطانية الإسرائيلية. "برونو لورو" رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي، أشار في مداخلته إلى أن على فرنسا أن تكون سباقة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي الأولى بأن تلعب دوراً مميزاً في هذا الإطار، والبداية اعترافاً فرنسياً بالدولة الفلسطينية.
كانت ردود الأحزاب المعارضة لهذه المبادرة، سطحية وغير مقنعة، فها هو كريستيان استروزي، النائب في الحزب المعارض "الاتحاد من أجل حركة شعبية" يقول إن الحكومة فقط هي التي تتخذ قرارات بشأن السياسة الخارجية، وأيده في ذلك أحد نواب اليمين بيار لولوش، في وقت كانت الحكومة الفرنسية من خلال رئيسها ووزير خارجيتها، يصرحون إيجاباً وتقبلاً بهذه المبادرة، بينما رئيسة لجنة الخارجية بالجمعية الوطنية، اليزابيث تميغو، تدعو فرنسا إلى إسماع صوتها للعالم من خلال اعترافها بالدولة الفلسطينية، والإعراب الفرنسي عن دعوة إلى مؤتمر يعقد في باريس بهدف التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأثناء احتدام النقاش في قاعة "الجمعية الوطنية" كانت وسائل الإعلام الفرنسية تنشر نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "أي. اف. او. بي" تبين من خلاله أن 63% من الفرنسيين يؤيدون ويدعمون اعترافاً فرنسيا بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي ربما شجع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى الإشارة إلى أن هناك دولا كانت سباقة إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وبعضها أجرت نقاشات وتصويتات لهذا الغرض، وفرنسا يجب أن لا تتخلف عن ذلك، ولكن الحكومة الفرنسية ـ يضيف فابيوس ـ لن تتخذ موقفاً سريعاً وعلى الفور، رغم نتيجة التصويت المحتملة بعد أيام.
ولكن، ان الحديث عن مؤتمر يعقد في باريس بهذا الشأن، ليس بالأمر الجديد، وحتى الحديث عن سقف زمني مدته عامان للوصول إلى حل يتم بمقتضاه إنهاء الاحتلال، فإن الحديث، الآخر، عن أن أي اعتراف مطلوب أن يتم وهناك دولة فلسطينية على الأرض من الناحية الواقعية حتى يتم الاعتراف بها، ينسف من الناحية العملية، كل المواقف الرسمية على هذا الصعيد، ورغم أن التصويت في الجمعية الوطنية، سيشكل ضاغطاً على الحكومة الفرنسية، إلاّ أن ذلك ليس كافياً كي تقود فرنسا مبادرة حقيقية للضغط على الجانبين من أجل التوصل إلى سلام بينهما، وعلى الأرجح فإن عناصر أخرى ضرورية لدفع الحكومة الفرنسية لاتخاذ الموقف الجريء المطلوب، ربما توفره السياسة الإسرائيلية المتعنتة في القدس كما في الضفة الغربية من خلال عمليات الاستيطان والتهويد، والأهم من بين كل هذه العناصر، ما يجب أن يوفره الجانب الفلسطيني سواء على صعيد العمل السياسي والدبلوماسي، أو الحراك الشعبي الفلسطيني في العاصمة الفلسطينية وعموم الضفة الغربية المحتلة. ان هذه العناصر، توفر لصانع القرار الفرنسي الأداة التي من خلالها بمقدوره أن يمتلك مبررات الاعتراف بدولة فلسطين، من دون انتظار لعملية تفاوضية تقودها الولايات المتحدة، وصفها فابيوس نفسه بأنها عقيمة، ورغم هذا الوصف المعلن، فإن الحكومة الفرنسية لا تزال تبرر موقفها الراهن بضرورة أن تقوم دولة فلسطينية من خلال مفاوضات بين الجانبين!
وإذا ما كانت هناك أداة قادرة على إقناع الحكومة الفرنسية باتخاذ موقف يدعم ويعترف بدولة فلسطين، فإننا ننصح سفيرنا في فرنسا، بدعوة فابيوس لمشاهدة مهرجان افينيون وأداء الراقص الإسرائيلي اركادي، ولعلّ في ذلك ما يكفي لإقناعه بالأمر!!
Hanihabib272@hotmail.com
264
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية