2014/11/01
155-TRIAL-
عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1993 وسط ضجة كبرى بعد زلزال حرب الخليج في محاولة لحصار آثار تلك الحرب وكان يرأس الجانب الإسرائيلي إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل حينها.وما يعنيني هنا ما حصل مع عضو الوفد المصري المفكر لطفي الخولي التي كانت عضويته مثار دهشة لميوله اليسارية ووقوفه ضد اتفاقية كامب ديفيد واذكر أنه عرج على مقر الوفد الفلسطيني باحثاً عن الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني وكنت أعرف الرجل قبل هذا في القاهرة، وسألني عن الدكتور حيدر فقلت له انه ذهب لزيارة أحد الوفود وقال إنه مدعو للعشاء على مائدة سيئ الذكر اسحاق شامير ويريد أن يعرف رأي الدكتور حيدر أو رأي الرئيس ياسر عرفات في ذلك واعتقد أنه استمزج رأي الرئيس عرفات وذهب للعشاء وحضر الرجل بعد ذلك وقص ما حصل معه مع شامير قائلاً: إن محور الحديث كانت القضية الفلسطينية، وإنه من جانبه قال له إن الفلسطينيين قابلون بتسوية تاريخية صعبة على حدود حرب يونيو مما يمنحكم 80% من أرض فلسطين إلا أن شامير رد علي بقوله: هل تعلم يا سيد لطفي أن صحراء سيناء مساحتها ثلاثة أضعاف ما تتحدث عنه(يقصد فلسطين التاريخية) وأنتم تستكثرون علينا ما مساحته 27 ألف كيلو متر مربع ولدى العرب ملايين الكيلومترات والثروات وأضاف شامير قائلاً: أين نذهب؟
هل نذهب للقمر؟ فرددت عليه بالطريقة المصرية (القفشة) والله لو ذهبتم للقمر لارتاحت الأرض فاستشاط شامير غضباً واعتبر ذلك ساميةً مني وانتهى العشاء بأزمة وأكمل الخولي أن الجماعة يقصد اسرائيل يضمرون شراً لكم ولنا.
أوردت هذه الحكاية بسبب الإشارة لسيناء عطفاً عما يجري فيها الآن ولو عدنا لوجدنا أن سيناء لم تكن غائبة عن الفكر الصهيوني ففي حرب 1948 اندفعت القوات الإسرائيلية من صحراء النقب إلى صحراء سيناء إلى الشمال من العريش
والغريب أن الذي أوقفها الطائرات البريطانية التي وصلت من قواعد السويس وطلبت بريطانيا منهم العودة إلى حدود فلسطين وبعد ذلك دفعت اسرائيل بقواتها لإحتلال قطاع غزة ودارت معارك شرسة صمد فيها الجيش المصري ببطولة وبقي القطاع فلسطينياً تحت الإدارة المصرية ولقد نشرت مذكرات اللواء فؤاد صادق بالتفاصيل خاصةً معركة تبة 86 والتي أشار فيها انه قرر الصمود مهما كان الثمن حين رأى آلاف المهاجرين وخشي أن يندفعوا إلى التية في صحراء سيناء والموت عطشاً وجوعاً.
ولو تقدمنا بالسرد قليلاً لوجدنا أن أول من تحدث بصراحة عن سيناء كحل للقضية الفلسطينية هو بن قوريون مؤسس الدولة، وكان طبخ المؤامرة شغال من 1953 وحتى 1955 لتوطين اللاجئين كحل نهائي كما توهموا حينها. وكانت الفكرة نفسها واردة للاجئي سوريا لتوطينهم في أرض الجزيرة في سوريا ولاجئي لبنان في العراق وكان نوري السعيد موافقاً على ذلك إلا أن غزة كعهدها دائماً تقدمت للميدان وأسقطت المشروع والفكرة فبعد مذبحة 28/ فبراير/1955 بقيادة شارون انتقاماً من العمل الفدائي بقيادة الشهيد مصطفى حافظ وحتى تلك المعركة كان مشروع التوطين مطروحاً واندلعت المظاهرات هادرةً تطالب بالسلاح والمقاومة.
وكان أهم هدف للمظاهرات اسقاط مشروع التوطين في سيناء وللتاريخ أن أول من تصدى لقيادة المظاهرات من الحركة الوطنية هم الشيوعيون ونحت وكتب شعاراتها ابن غزة الشاعر الكبير معين بسيسو وبقيت شعاراتها نذكرها لليوم ” لا اسكان ولا توطين يا عملاء الأمريكان” “ما يكتب بالحبر يمحى بالدم” “العودة العودة السلاح السلاح” وطويت تلك الصفحة بعد أن أدركت ثورة مصر المؤامرة وخطورتها وأشار إلى ذلك الزعيم جمال عبد الناصر في إحدى خطبه قائلاً: من غزة ومظاهراتها وشعبها فتحت صفحة جديدة للنضال توجت بصفقة السلاح الكتلة الشرقية.
ولا ننسى حين قاد شارون حرباً شرسة ضد المقاومة في غزة عام 1971 ورحل إلى سيناء والعريش ما يعادل تقريباً خمسين ألف فلسطيني بقي منهم ثلاثون ألفا حتى الآن. إلا أن فكرة الحل في سيناء ظهرت بطريقة أكاديمية على يد الجنرال غيورا آيلاند تطويراً لأفكار زئيف شيف عام 2008 في مؤتمر هرتسيليا الذي قدم لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ( عقدت ندوة تحليلية ودراسة عن ذلك بعد أن ترجم التقرير الصديق اللواء عمر عاشور ونشر برعاية المركز الفلسطيني للأبحاث لمن يرغب في الإطلاع) ما تقدم هو حديث يبين مدى ارتباط الأمن القومي المصري والفلسطيني بما يجري ويثور السؤال هل ما يجري في سيناء سيحدد مصير القضية الفلسطينية؟ وهل المستهدف مصر وجيشها وأبعادهم عن سيناء بجعلها خطراً يتهدد القطر المصري ووحدته؟ وما هي حقيقة ما قاله الرئيس المعزول محمد مرسي للرئيس محمود عباس أن كل سكان قطاع غزة هم بقدر سكان شارع في حي بمصر وما كان القصد؟!
كل هذه التساؤلات وغيرها تسعى لإجابات منطقية لأن الشبهات والاجتهادات وأحاديث الإفك زادت عن حدها !
وهنا ملاحظة يجب أن تقال لماذا امتنعت الاتجاهات والحركات الإسلامية في فلسطين وخارجها عن ادانه واستنكار المذبحة بوضوح بدون تردد أو تلعثم مكتفيةً بالنفي فقط مما أدخل أهل غزة في نفق تدفيع الثمن ( وكأن الحال كقصة أبو الدبعي في الأدب الشعبي الغزاوي يرغب في الشبهة وهو بريء ) سؤال أخير هل ستفبرك حرب اقليمية واسعة لدفع أهل غزة لسيناء ؟ أستطيع أن أقسم هنا إنه لن يوجد طفل فلسطيني يقبل بذلك وأقول لمن ينتظر على الجدار أو يتخفى بأي ثوب أو لون خاب فألكم فالبوصلة هي فلسطين وتبقى مصر وشعبها سنداً لذلك. 231
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية