238-TRIAL- لأن العملية التي جرت في كرم القواديس غير مسبوقة، من حيث كونها _ ربما _ أول عملية انتحارية تقوم بها الجماعات الإسلامية المتطرفة في شبه جزيرة سيناء، بهدف استنزاف الدولة المصرية أمنيا، وصولا إلى تحقيق هدف سياسي، بعد فشل إسقاط الدولة المصرية ذاتها، وهو نزع قبضتها عن سيناء أو إخراج شبه الجزيرة من إطار الدولة، وإعلان إمارة إسلامية على غرار ما أعلن عنه في العراق وسورية وحتى في ليبيا، فإن مجلس الدفاع الوطني سارع للاجتماع برئاسة رأس الدولة، واتخذ إجراءات هي الأعلى من حيث السقف الأمني، حيث أعلن حالة الطوارئ، بما يتضمن حظر التجول في محافظة شمال سيناء، لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. 
وقد كان من الطبيعي أن تنعكس تلك الإجراءات على حركة المرور داخل شمال سيناء، بما في ذلك حركة أبناء قطاع غزة ، الذين ليس لهم سوى ذلك الممر الإجباري للاتصال بالخارج. 
ورغم أن الإعلان المصري عن إغلاق معبر رفح تضمن مدة 48 ساعة، إلا أن التقديرات الواقعية تشير إلى أن الأمر سيتجاوز هذه المدة، أكثر من ذلك فان قرارات مجلس الدفاع الوطني المصري أشارت إلى نية السلطات المصرية مواصلة تدمير الأنفاق، بما يشمل، هذه المرة الشريط الحدودي داخل حدود القطاع، وكذلك إقامة منطقة عازلة بعمق كيلو ونصف على طول خمسة عشر كيلومترا هي الحدود المصرية مع قطاع غزة. 
أي أن من كان يمني النفس من سكان قطاع غزة، بقرب موعد فتح معبر رفح، بات عليه أن يدرك بان أحلامه قد تبددت، فلم يعد بمقدور ولا في نية السلطات المصرية الاكتفاء بنشر قوات حرس الرئيس الفلسطيني على الجانب الفلسطيني من الحدود، حتى تقوم بفتح معير رفح بشكل يومي، تام وطبيعي. 
في الحقيقة فإن قصة معبر رفح، نظرا لارتباطها بالحالة الأمنية المزعجة والمقلقة جدا للأخوة المصريين في سيناء، فإنه لم يعد كافيا النظر إليها بمنظار سياسي بحت، وبات لابد من جلوس المصريين والفلسطينيين للبحث في أدق تفاصيل المسألة، بما يتضمن التنسيق الأمني الكامل بين الجانبين، لتبديد المخاوف المشتركة للجانبين، وإبعاد المخطط الذي يحاك ضدهما معا، والذي يهدف إلى الإبقاء على سيناء منطقة "رخوة " أمنيا، لتمرير هدف إقامة دولة غزة الكبرى فيها، وهو مخطط إسرائيلي بالأساس، يبدو أن هناك جماعات سياسية، بحسن نية أو بسوئها، بتنسيق مع إسرائيل، أو من دون تنسيق، تساعد على تنفيذ المخطط المذكور. 
المهم أن هذا يعني إلقاء عقبة إضافية على طريق إعمار غزة، وحيث أن طريق المصالحة نفسه ما زال متعثرا، من حيث عدم تقدم الطرفين الداخليين بالطريق ذي الاتجاهين : تمكين الحكومة من السيطرة الفعلية على غزة، مقابل الالتزام بمطالب غزة واحتياجاتها، إن كان على صعيد حل مسألة رواتب موظفي " حماس "، أو البدء في ترتيب الأوضاع الداخلية لإطلاق ورشة الإعمار. 
كأنه بات قدر غزة، أن تدفع ثمن الخلافات الداخلية، والصراعات مع الأشقاء والأعداء، معا، هذا القدر الذي جعل قطاع غزة، ومنذ عام 1948، يواجه معاناة خاصة ومستمرة، لها علاقة بموقعه الجغرافي وتاريخه وتركيبته الاجتماعية ومن ثم السياسية، ومن سخرية القدر، القول، الآن بان غزة تبدو ككائن حي، كلما تقدم خطوة إلى الأمام تراجع للخلف خطوتين !  فكلما تقدمت خطوة باتجاه المصالحة، عادت الأمور إلى الوراء، كذلك كلما لاح بريق فتح المعابر، ظهر مستجد يبدد ذلك البريق، وكلما توقعنا بأن عجلة الإعمار قد اقتربت من الدوران، ظهر ما يشير إلى أن هناك ما يكبحها، ويعيدها إلى التوقف ! 
طبعا، كان من آخر، بل ربما من أول ضحايا، ما نجم عن التفجير الانتحاري، الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثين جنديا مصريا، أن تم تأجيل اجتماع تثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي كان قد بدأ بعد مهلة شهر، ثم توقف نحو شهر آخر، بحجة الأعياد اليهودية، وها هو يتم تأجيله لأجل غير مسمى، بما يعني أن غزة باتت في مهب الريح، فحتى الحفاظ على وقف النار، مقابل _ على أقل تقدير تخفيف حالة الحصار _ لم يعد واردا، بما في ذلك احتمال تجدد النار، وإن كانت غزة مرهقة على المستويين الشعبي والفصائلي، فالشعب منهك جراء حرب تموز / آب، كذلك الفصائل نفسها لم يعد لديها نفس العتاد العسكري الذي كان قبل الحرب، ولم يمر طويل وقت، للقول بأنها قد عوضت ما تم إطلاقه من صواريخ وما تم تدميره من أنفاق. 
تبدو الصورة محبطة للغاية، لكل من يظن أن غزة، صارت جزءا مقتطعا، أو مقطوعا عن الجسد الفلسطيني، لكن حقيقة الأمر، أن غزة جزء من الكل الفلسطيني، الذي ربما يجترح المعجزة في القدس والضفة الغربية، أو في مكان آخر، والى ذلك الحين، فليس للفلسطينيين سوى أنفسهم، عليهم أن يسارعوا للتوحد، ومن ثم للتحاور والتوحد مع الأشقاء المصريين، وعليهم أن لا يأسفوا على مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين، والتي هي على أي حال، ليست أفضل حالا من تلك المفاوضات المباشرة، التي ذهبت بدورها غير مأسوف عليها، ولا بد من تصحيح وجهة البوصلة، نحو إسرائيل، وتعديل كل ما كان بها من انحراف باتجاه الأخوة والأشقاء، بدوافع أو حجج زينها الشيطان للبعض في لحظة ضعف وعجز، يأس وإحباط.
Rajab22@hotmail.com 223

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد