2014/10/26
190-TRIAL-
أيام تفصلنا عن الذكرى العاشرة لشهيد الشعب والقضية، والزعيم القائد البطل الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار).. ففي 11 نوفمبر من كل عام تحل ذكرى رحيله، والتي تحمل معها بعثاً وطنياً واستنهاضاً لسيرة الرجل ومسيرته، وتحرك فينا نحن الذي عشنا مشوره النضالي الطويل، وتجاوبنا بفكرنا ورغباتنا في مساحات حراكنا الشبابي، الكثير مما يمكن أن نقوله بهمس الوجدان وأحاديث السياسة والنضال.
لقد كان أبو عمار (رحمه الله) محط احترام الجميع بسلوكياته الأبوية الحانية، ومواقفه الإنسانية الصادقة، وكانت الكوفية برمزيتها العالية عنواناً للهوية الوطنية، ومسدسه الذي يتمنطق بهويزِّين بدلته العسكرية،كتعبيرهادف لإظهار إيمانه العميق بالكفاح المسلح من أجل فلسطين؛ الشعب والقضية.
أبو عمار: النهج والأثر في 11 نوفمبر 2014م، تمر علينا الذكرى العاشرة لاستشهاده، فهل نختلف على إحيائها كما اختلفنا في السابق بسبب الانقسام البغيض؟ وهل نحرم أجيالاً قادمة هم اليوم "زغب الحواصل" من معرفة مسيرة أبطالها وتاريخهم النضالي؟ ولماذا تتقاصر الهمم ويتأخر الدعم عندما تكون القضية ذكرى أبو عمار؟ ما الذي يجعل كوادر حركة فتح وقياداتها تخذل زعيمها ومؤسس حركتها التحررية، حيث تمر الذكرى في كل مرة باهتة، ودون مستوى ما يمثله الشهيد ياسر عرفات من مشاهد البطولة والتضحية والفداء؟ من الذي يتوجب عليه فلسطينياً عبء المسئولية وحمل الأمانة ثم يصدمنا باعتذاراته وتبريراته؟! لقد فكرت أكثر من مرة،وخلال سنوات سابقة أن أتحرك لإحياء الذكرى، ولكن كان هناك من يحذرني بأن حركة فتح قد تزعل، وتعتبر ذلك تعدياً ومزايدة عليها. إنني أحب الرجل الذي قاتل من أجلنا نحن اللاجئين من أبناء المخيمات، وسعى في الأرض من أجل أن يوطن هويتنا في أذهان شعوب وبلدان العالمين، وعاد إلينا في عام 1994م مع ألاف الفدائيين، وكان سنداً لنا في انتفاضاتنا ضد الغزاة المحتلين، وكانت اتصالاته مع الكل الوطني والإسلامي حاضنة للجميع، حتى ابتساماته وقبلاته لأبناء شعبه كانت تشعرنا بأنه نعم الأب والقائد الأمين. أبو عمار: صور ومشاهد في الذاكرة كان أبو عمار - وما يزال - في ذكرتي وذاكرة هذا الجيل ممن بلغ العقد السادس من عمره هو ذلك المقاتل العنيد، الذي انتصر في معركة الكرامة عام 1968م، وذلك السياسي المحنك الذي خاطب العالم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 13 نوفمبر 1974م،قائلاً: "أتيت إل ىهناحاملاًغصن الزيتون بيد،وبندقيةالمقاتل من أجل الحرية في الأخرى. فلاتدعواغصن الزيتون يسقط من يدي". وكان أن تمَّ – آنذاك - منح منظمةالتحريرالفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية. وفي ديسمبر 1987م، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي،وتعرض الفلسطينيون فيها للقمع والقتل، مما أثر في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي،استثمره عرفات بفطنته السياسية،حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائرفي 15 نوفمبر1988م، اتخاذ قرار إقامة الدولة الفلسطينيةعلى أراضي الضفة و غزة ،وتلا عرفات اعلان استقلال الدولةالفلسطينية. وفي الأول من يوليو1994م، خرج أهالي قطاع غزةعن بكرة ابيهم لاستقبال الرئيس ياسر عرفات والعائدين معه من ثوارحركة فتح بحفاوة كبرى،بعد 27 عاماً قضاها في المنفى. واتخذ رحمه الله من غزة مقراً لقيادته. وفي 3 ديسمبر 2001م،قامت الحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون، بفرض حصارعسكري عليه داخل مقره بمدينة رامالله بتواطؤ أمريكي،فكان أن حظي عرفات مرة أخرى بتعاطف كبير من جانب الشارع الفلسطيني في مواجهة الأصوات الإسرائيلية المتعالية والمطالبة بطرده أوتصفيته،فعاد الرمز الفلسطيني الكبير للواجهة بقوة مرةأخرى. وفي 29 مارس 2002م،غداة عملية استشهادية نفذتها المقاومة الفلسطينية، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوسع هجوم له في الضفة الغربية منذ نكسة 1967م، وقام بتدميرالجزء الاكبر من مبنى المقاطعة؛ مقرالرئيس عرفات،والذي بقي في المبنى الذي يضم مكاتبه تطوقه الدبابات الاسرائيلية. وفي سبتمبر 2003م، كانت مقولته التي وضعتنا على المحجة البيضاء من رؤيته السياسية والعقدية، وذلك حين قال: "إن القضية ليست قضية "أبوعمار"،إنم اقضية حياة الوطن واستقلاله،وكرامة هذاالشعب،وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف"، وأضاف قائلاً: "لن ننحني إلالله (سبحانه وتعالى)،كما لنننحني أمام التهديد والوعيد ،فحياتي ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني،وهي ليست أغلى من حياة الشهيد الطفل فارس عودة ،فكلنا فداءً للوطن الغالي؛ فلسطين الأرض المباركة". وفي مشهد الضغط والحصارلكسر إرادته، كانت كلماته الملحميِّة التي يتغنى بها كل فلسطيني، وأصبحت إحدى جداريات تراثنا الوطني، حيث كان يرددها - رحمه الله - أمام زائريه في غرفته المضاءة بالشموع: " يريدونني أسيراً أو طريداً أو قتيلاً، وأنا أقول، بل شهيد .. شهيد .. شهيد".. غالي يا "أبو عمار" غالي. يُذكرِّنا القيادي في الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر؛ النائب إبراهيم صرصور،بما سمعه من الرئيس (أبو عمار)خلال إحدى لقاءاته معه، وهو يصف علاقته بشعبه الفلسطيني، في ظل صورة وأشكال الصراع العامة: "انظروا إلى هذا الشعب البطل كم يعاني، وكم يضحي في سبيل كرامته ووطنه ومقدساته،فكيف لي أن اشكو…سعادتي في أن اتحمل في هذا المبنى (المقاطعة)شيئاً ولو يسيراً مما يعاني منه شعبي..هذا الشعب الذي شرفني بقيادته،وأكرمني بتمثيله..إن كان هنالك الكثيرون ممن يطالبونني بالاستسلام، فأدير لهم ظهري.. لا أفعل ذلك إلا لأننيأرى شعبي وهو على ما هو عليه من الإصرار على الحق مهما كلفه ذلك، فكيف يمكنني إلا أن أكون مع شعبي في خياره".. غالي يا "أبو عمار" غالي. لقد أحببنا الوطن وعشقناه من رجلين؛ الفدائي الثائر "أبو عمار" والشيخ الشهيد أحمد ياسين ؛ ولله درَّ القائل: أبو عمار علمنا، أحمد ياسين علمنا: نموت وتحيا فلسطين. رحمك الله يا أبا عمار.. أيها القائد والزعيم؛ يا من أعطيت بكفاحك قدراً لنا ولفلسطين بين الكثير من شعوب العالمين. لقد افتقدناك بكل ما حملت من تاريخ ونضال، وما رسمت من معالم وخصال، نحن اليوم نتلفت يُمنة ويُسرة ولكن حالنا – للأسف – كمن لا يرى أحداً.. لقد درجت العادة أن تحتفل الشعوب بسيرة أبطالها وزعمائها، وذلك حتى تُلقي الضوء على مآثرهم ومواقفهم وأقوالهملكي تتذكرها الأجيال وتقتفي أثرها، وتصبح لها مصدر عزٍّ وإلهام، ولكن يبدوا من تكرار التجاهل لتلك المناسبات الوطنية أن هناك - من بيننا نحن الفلسطينيين- من يريد للحزب أن ينتصر على الوطن والقضية.!! إن حركة فتح وفصائل العمل الوطني والإسلامي وجماهير شعبنا العظيم مطلوب منهم جميعاً أن يبذلوا الجهد ويتقدموا بالعطاء، لكي نُعيد للزعيم "أبو عمار"مطوياته العطرة من السيرة والمسيرة،بهدف استنهاض صور البطولة، والحفاظ عليها في ذاكرة الأجيال، وحتى تكون هذه المناسبة هي العنوان الجامع لوحدتنا الوطنية، واستعادة صفحات نضالنا الجهادي والسياسي في كنف عطاءات وتضحيات هذا الراحل العظيم. ما يزال أمامنا بعض الوقت للتحضير لهذه المناسبة الوطنية الهامة في تاريخ شعبنا العظيم، ونحن بانتظار أن يؤدي كل منا دوره لإحياء تلك الذكرى، وحتى يظل الرجل بصمة وطنية، ومصدر إلهام لهذا الجيل، وما يأتي بعده من أجيال. ومساهمة مني في ترك أثرٍ يرتقي بمكانة الرجل وتاريخه، أقدم هذه الوثيقة الوطنية، والتي استوحيت كلماتها وبنودها من سجايا أبو عمار وعطاياه، عبر مسيرته النضالية والسياسية والمجتمعية، وهي "جُهد المقلِّ" لحياة رجل صنع لنا ذكريات وهوية وطنية نعتز بها، ونُعلِّي - فخراً - بأمجادها الرايات. وثيقة عهد الشهيد ياسر عرفات للحفاظ على وحدتنا الوطنية كان الرئيس أبو عمار(رحمه الله) في كل محطاته النضالية يحرص على الحفاظ على وحدة أبناء شعبنا الفلسطيني، ويعمل على تكريس هذا الواقع ميدانياً بالكلمة والصورة.. كان أبو عمار مع شعبه، الذي أحبه وتعلق به هو الحاضنة للمشروع الوطني، وكان بمواقفه الأبوية، ولفتاته الإنسانية، ووطنيته الصادقة، مظلة تتسع حباً واحتراماً وأخوية للجميع. إن وثيقة العهد هذه هي تعبير عن ملامح الرؤية، وشكل المبادئ والقيم الكفاحية، التي حاول الشهيد ياسر عرفات تكريسها وتجسيدها فينا، وهي ترسم معالم الطريق لمسار شعبنا العظيم نحو التحرير والعودة. إن أهم بنود "وثيقة عهد الشهيد ياسر عرفات" تتلخص في النقاط التالية: 1- ليس فينا، وليس منا، وليس بيننا، من يفرط بذرةٍ من تراب القدس الشريف. 2- الوطن فوق الجميع، والدمُ الفلسطيني خطٌ أحمر. 3- الوطن نحرره معاً، ونبنيه معاً، وهو أمانة في أعناق الجميع. 4- فصائل العمل الوطني والإسلامي يجمعها طريق واحد، ويحركها هدفٌ واحد؛ التحرير والعودة. 5- فلسطين من البحر إلى النهر، والدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة هي خطوة على طريق التحرير الشامل. 6- الشراكة السياسية والتوافق الوطني هما السبيل للوفاق والاتفاق والوحدة الوطنية. 7- حق العودة لشعبنا في المنافي والشتات هو حق مقدس، ولا يملك أحد مهما كان وتحت أيُّ ظرف التفريط فيه أو التنازل عنه. 8- القضية الفلسطينية هي حرية هذا الوطن واستقلاله، كما أنها كرامة هذا الشعب وعنوان عزته وكبريائه، وإن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف هي واجب مقدس على الجميع. 9- إن شعب الجبارين لن يركع إلا لله تعالى، ولن يستسلم أبداً، بل إننا صامدون، وسنمضي قدماً للدفاع عن وجودنا ومقدساتنا وأرضنا وحقوق شعبنا حتى التحرير وعودة الوطن السليب. 10- القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لأمتنا، وهي أمانة في أعناق الكل الوطني والإسلامي، ويتحمل الجميع مسئولية الدفاع عنها والعمل على تحريرها. هذه هي أهم الركائز التي تنطلق منها مبادئنا الوطنية، وقيمنا النضالية، وميثاق العهد بيننا، ورسالة التواصل بين أبناء شعبنا العظيم جميعاً،وهي معالم الطريق وملامح الرؤية باتجاه تحقيق أهدافنا الوطنية وطموحات شعبنا في التحرير والعودة. وأخيراً.. سيبقى العهدُ هو العهد، والقَسمُ هو القَسم ختاماً: ذكراك شمعة وشمس مشرقة في قلوبنا احتفلنا بك اليوم أم لم نحتفل، فأنت اشراقة ضياء لهويتنا الوطنية، وللبندقية الفلسطينية.. احتفلنا بك اليوم أم لم نحتفل، فأنت في ذاكرتي - يا أبا عمار- أبٌ الوطنية والكرامة الفلسطينية.. احتفلنا بك اليوم أم لم نحتفل، فأنت على بوابة "وعد الآخرة" أول من وضع الراية وحدد معالم المسار.. احتفلنا بك اليوم أم لم نحتفل، فسنظل نشدو بك: غالي يا "أبو عمار" غالي. 258
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية