183-TRIAL- لم يكن لما قامت به داعش من قتل لتلك المرأة رجما بالحجارة وجه واحد للاختلاف وهي القضية التي شغلت الرأي العام وأحدثت جدلا على وسائل التواصل الإعلامي.
فالمؤيدون للعقاب أرادوا التأكيد على مدى التزام الدولة الإسلامية دون سواها بأحكام الدين نصا وقولا وهذا في إطار المديح، وجزء آخر من المعارضين لداعش أرادوا تأكيد ذلك بهدف النيل من الإسلام نفسه باعتبار أن هذا العقاب وارد لأن في شكل العقاب قدراً من القسوة في ظل تطور وسائل الإعدام فيما في الماضي لم تكن وسائل القتل سوى السيف والخنجر والحجر أما الآن فهناك المقصلة وحبل المشنقة وإطلاق الرصاص وآخرها وسيلة الحقن.
أما الرافضون للمسألة أيضا فقد انقسموا في أهدافهم فالبعض يرفض دفاعا عن الإسلام باعتباره دين رحمة وليس قسوة والبعض الآخر كان يرفض كليا العقاب محاججاً بأن العرب لم يعودوا وحدهم وهم جزء من هذا العالم في إطار التنافس، وأن العالم أصبح قرية كونية وهذا يعطي انطباعات سلبية تعزز اتهامهم بالتوحش والعنف وأن هذه لم تعد تهمته في أوروبا والكثير من دول العالم، وقد يسيء ذلك لسمعة المسلمين ويعزز الصورة النمطية عنهم لدى العالم الذي لا يعرف الكثير عن دينهم.
ليس مهما هنا رأي غير المسلمين أو المعارضين لتسيد الحكم الإسلامي بقدر ما أن المسألة مهمة بين المسلمين أنفسهم من حجم الخلاف والاختلاف ليس فقط في هذه القضية التي تعتبر نموذجا صغيرا، لكن تلك الخلافات عبرت عن نفسها من خلال تعدد الأحزاب الإسلامية والتي تتهم كل واحدة منها بالخروج على الإسلام أو تراخيها في تطبيق الأحكام إلى الحد الذي وصل به الأمر إلى درجة الاقتتال بينهم حين توفرت الجغرافيا والسلاح وانحصرت في الاتهامات حين غاب السلاح.
وإذا كان الأمر كذلك بين القوى والأحزاب التي تتخذ من الدين مرجعا لها كيف يمكن الحديث عن توافق بين تلك القوى من جهة وبين القوى الوطنية والعلمانية والتي يمكن أن تضم يساريين ومسيحيين وغير ذلك، والسؤال الأبرز والذي كان يبحثه مؤتمر نظمه المركز الفلسطيني للأبحاث والسياسات الاستراتيجية "مسارات" حول الحركات الإسلامية وأسس الشراكة السياسية في النظام السياسي الفلسطيني.
وقد انطلق المؤتمر من أن القوى الإسلامية هي قوى حقيقية لها برامجها الواضحة ولها جمهورها وحضورها الفاعل على الأرض والذي لم ينعكس حتى اللحظة في مؤسسات النظام السياسي سواء منظمة التحرير الفلسطينية أو حتى السلطة الوطنية والتي جرت محاولة إدماج حركة حماس فيها في انتخابات 2006 ولكن جرى وأد المحاولة على يد حركة حماس نفسها حين حسمت الخلافات عسكريا في قطاع غزة ، مسقطة حكومة الوحدة التي كانت تقودها الحركة والتي أضاعت فرصة النموذج الذي كان يمكن أن تقدمه الحركة في الوحدة باعتبار أن الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين هو تمكن دون غيره من جمع كل الأحزاب في حكومة واحدة وهي السابقة الأولى في التاريخ العربي.
لكن تجربة حماس في إقصاء خصومها عسكريا سواء السلطة وحركة فتح العام 2007 وبعد ذلك الصدام مع تجربة عبد اللطيف موسى تطرح تساؤلات على مدى قدرة الحركة في التعايش مع الآخر وإن كانت التجربة اللاحقة أحدثت نوعا من التغيرات في هذا الإطار، أما حركة الجهاد الإسلامي فهي تترفع عن السلطة وما أنتجته باعتباره نتاج اتفاقيات ترفضها الحركة جملة وتفصيلا ولكنها تبدي استعدادا عاليا للمشاركة في المنظمة لكن حزب التحرير يرى في الوطنيين وكل مؤسساتهم أنها قائمة على "الكفر" وتذهب المسألة أبعد إذ يعتبر الحزب أن "سائر الحركات الإسلامية الإصلاحية عامة على غير الطريق السليم" معتبرا أن الأخوان المسلمين وباقي الأحزاب الدينية تعاني من "عدم وضوح في طريقة الإسلام لديهم في تنفيذ فكرة الإسلام وأحكامه وضوحا تاما فحملوا الفكرة الإسلامية بوسائل مرتجلة "كما نقلت إحدى الأوراق عن الحزب.
إذن هناك مشكلة في رؤية القوى الإسلامية للشراكة مع الآخر، والأزمة هنا أن كل قوة تنطلق من مسلمات غير قابلة للنقاش أو للحلول الوسط التي تتطلبها الشراكة السياسية القائمة أصلا على فكرة التنازل والحل الوسط، ويبدو هنا التنازل كتنازل عقائدي بمفهومها ومن هنا نجد الطلاق الواضح بين الإسلاميين والوطنيين في العالم العربي باستثناء تجربة تونس والتي قال أحد قادة التجربة إن "الإسلام ليس هو الحل" وهذا بالتأكيد لا يرضي كل القوى الإسلامية في العالم العربي.
هذا لا يعني أن الإسلاميين يتحملون المشكلة وحدهم وأن تجربة الوطنية كانت أكثر ديمقراطية فالأنظمة الوطنية كانت وما زالت جزءا من ثقافة الإقصاء الصحراوية العربية، ولم يبتعدوا كثيرا عن تجربة الإسلاميين ولكن للإقصاء لدى الإسلاميين تفسيرا وتبريرا دينيا أيدلوجيا وهنا تظهر جرعة الإقصاء لديهم أكبر.
هل يعني ذلك أن المستقبل أسود، لا نحلم بنظام سياسي يضم كل الوطنيين والإسلاميين الذي يشكلون عنصراً مهماً وكبيراً في المجتمع الفلسطيني يجب أن يمثل سياسيا ؟ بالعكس يمكن ذلك حين يدرك الجميع أنهم تواجدوا هنا على هذه الأرض ولا سبيل إلا أن يتعايشوا بعيدا عن أن يتسلط الآخر وبعيدا عن أن يعتقد أي من القوى والأحزاب أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فالكل يخطئ ويصيب. وإذا كانت القوى الإسلامية تعتقد أنها نموذج للدين فهناك اتهامات لها من قبل قوى سلفية بأنها غير ذلك تماما.
وما بين هذا وذاك تبقى الأزمة قائمة تعبر عن نفسها بالعنف الممتد في العالم العربي وهو سؤال طرحه أحد المفكرين: لماذا لم يتعايش الدين مع العلمانية في الوطن العربي بينما تمكن من ذلك في أوروبا وقد حاول الإجابة بالقول إن التجربة الأوروبية تمكنت من بلورة دين حقيقي وعلمانية حقيقية أما المنطقة العربية فقد أنتجت تجربة دينية مشوهة وعلمانية مشوهة "فهل تأثر كلاهما ببيئة الصحراء العربية وقسوتها ؟ربما ولكن إذا كان التقارب بين الحركات الإسلامية والوطنية في العالم العربي هو ضرورة التعايش فهو في فلسطين ضرورة التحرر هذا ما يجعل من نقاش الأزمة مسألة ملحة.
Atallah.akram@hotmail.com 98

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد