89-TRIAL- منذ سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ، و تقسيم إرث هذه الدولة المترامية الأطراف على المستعمرين الجدد كل حسب مصالحه , و أفول نجم دول عظمة أخرى ، و صناعة دول جديدة على الخارطة العالمية كما حدث في منطقة البلقان ، ثم رسم خطة سايكس بيكو عام ١٩١٦ لإعادة صياغة خارطة الشرق الأوسط من جديد ، و تدوير التقسيم ببعض اللمسات مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية ، مراعاةً لمصالح المنتصرين في تلك الحرب بغياب المنهزمين مثل المانيا و إيطاليا عن النادي الإستعماري ، و إنشاء دولة إسرائيل لاحقاً، و سطوع نجم آخر في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ، أُعدت في المعابد الصهيونية خرائط جديدة لشرق أوسط جديد ، تحت مسمى الحفاظ على الأقليات و حماية حريات المعتقدات للتكتلات الإثنية ، ليقسم ما هو مقسم و يُجزء ما هو مجزء في الدول الإسلامية مثل ايران و تركيا ، أفغانستان و الباكستان و الدول العربية المختصر بدول الشرق الأوسط .
 فهذا التقسيم هدفه الأساسي حماية هذا الكيان الصهيوني اللقيط ، ثم تبني هذا المشروع لاحقاً من قِبل أمريكا ، بإضافة هدف آخر الى جانب حماية دولة إسرائيل ، هو تأمين تدفق النفط و الثروات الغنية من تلك المنطقة الى الغرب بكل سلاسة و هدوء ، و بدء العد العكسي لتطببق نظرية تقسيم الشرق الأوسط الجديد ، بجس النبط العربي منذ بدايات الستينات و خاصة مع المد الثوري الناصري القومي ، الذي شكل إجماع لبعث روح القومية العربية لوطن عربي واحد لا يتقاطع مع نظرية التقسيم الجديدة ، فكان إحتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية عام ١٩٦٧ و أجزاء من مصر وسوريا و لبنان و الأردن نقطة البداية لهذا المخطط ، ثم إشعال الجبهة العراقية و التركية بحراك كردي لوضع اللبنات الأساسية لهذا المشروع ، و إستقلال دويلات الخليج في سبعينات القرن الماضي بشكلها الحالي مثل قطر و عمان ، الكويت و البحرين و الإمارات الى حد ما ، يخدم هذا المشروع بدعم إقامة دويلات قبلية أو عرقية أو إثنية غير قادرة على حماية نفسها من جيرانها ، لتكون دائماً بحاجة إلى وصاية أمريكية صهيونية .
 فالقواعد الأمريكية في دويلات الخليج وخاصة الدوحة ، والتواجد الصهيوني في شمال العراق ، كان حسب برنامج زمني محدد بالثانية ، للبدء بمرحلة التنفيذ الثالثة وهي الإستفراد بالدول العربية التي يتجاوز عدد سكانها ال١٠مليون نسمة فما فوق ، حيث أُشعلت الحرب العراقية الإيرانية في بداية ثمانيات القرن الماضي على أساس طائفي ، حيث كانت الجبهة السودانية الداخلية مشتعلة بنكهة إثنية ، ليضعف هذا الصراع جهاز المناعة المناهض لهذا المشروع الصهيوامريكي بإمتياز ، و تتوالى الشواهد بسقوط القلاع و الحصون العربية ، بسقوط العراق في تسعينات القرن الماضي ، و إنطلاق موتمر مدريد ، الذي هو إعلان إستسلام للشرق الأوسط بالجملة للإرادة الصهيوغربية ، و لاحقاً إحتلال بغداد في الألفية الأولى من هذا القرن ، ويقسم العراق الى فدراليات مثل منطقة الشمال للأكراد ، والجنوب للشيعة ، ضواحي بغداد للسنة ، مُنتظرة تلك التكتلات دق الجرس بإعلان كياناتها المسخة في وقت قريب جداً ، أي بعد إبتزاز دول إسلامية أخرى بتهديدها المبطن أو المباشر بهذا الموستر ، كل حسب فهمه لدخول بيت الطاعة الأمريكي بدون خشونة أو صراخ يذكر ، و بعد تفريغ تلك الدول نفسياً و عصبياً يبدء الإنقضاض عليها ، كما فُعل بتقسيم السودان أكبر سلة غذائية للشرق الأوسط الى دولة جنوب السودان المسيحية ، شمال السودان الإسلامي و بعد حين دولة دارفور ، ليدخل هذا المخطط الشرق الأوسطي الجديد مرحلة كسر العظم و مرحلة الحسم .
 ببداية موسم الثورات العربية المسمى بالربيع أو الخريف العربي ، أي تفكيك الدول الكبرى التي هي على أجندة برنامج تلك المشروع مسبقاً، بإشعال حروب أهلية حسب طبيعة سكانها من حيث الدين أو الطائفة أو القبيلة ، و تُستغل إرادة الشعوب المشتاقة للحرية برحيل أنضمتها الديكتاتورية التي انتهت صلاحيتها بالنسبة للغرب ، الى سقوط تلك الدول بمواطنيها وحكامها معاً ، و دخولها في طورها النهائي بالفناء بإقتتال أخوة الدم ، لتسقط قلعة عربية أخرى و هي دمشق ، و تتسارع الأحداث للإستعداد بسقوط طرابلس المختار الأبية ، التي دُمرت بأيدي أبناءها بلمسات قبلية و لكن بنفس الماسترو هو أمريكا و إسرائيل ، و هما من سيوءذنان بتفكيك تلك الدولة لاحقاً ، و تدخل صنعاء الصراع القبلي الطائفي بين ما هو جنوبي و شمالي ، و من هو شيعي حوثي أو سني ، و عند الإنتهاء من اليمن الغير سعيد ، يتم الرجوع إلى من فلت بعد ثورة يناير من فكي الحرب الأهلية بأعجوبة ، لتماسك تاريخه بجغرافية مكانه و هي مصر العروبة ، مركز الإشعاع الثقافي و القومي المناهض بفطرته لهذا المشروع الإستعماري ، الذي سيقسمها إلى دولة قبطية و دولة إسلامية ، و دولة النوبة ، و تتوالى الأحداث إلى المحطة الأخيرة بتقسيم بلاد الحجاز إلى دولة دينية تضم مكة و المدينة على شاكلة دولة الفاتيكان ، و دولة شيعية ، و دولة سنية ، و بعد ذلك يكون تفكيك و تقسيم دول أخرى مثل الأردن ، لبنان و دول شمال أفريقيا تحصيل حاصل ، ليصل قطار المصالح الصهيوغربية على سكك أحلامنا و مستقبل الأجيال القادمة في وضح النهار ، مع غياب إستراتيجية دفاع قومية عربية حقيقية ، و تجذر التخلف الفكري و العلمي و الديني فينا ، كيف لنا أن نُلامس تلك الخطر الذي يداهمنا في عقر دارنا ، إذ لم تتوفر عندنا الإرادة ، بأن مشكلتنا ليست إثنية أو عرقية أو قبلية ، بل هي أمريكا و إسرائيل . فمتى تجتمع الإرادت لمقاومة مشروع الشرق الاوسط الجديد  267

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد