2014/10/18
89-TRIAL-
منذ سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ، و تقسيم إرث هذه الدولة المترامية الأطراف على المستعمرين الجدد كل حسب مصالحه , و أفول نجم دول عظمة أخرى ، و صناعة دول جديدة على الخارطة العالمية كما حدث في منطقة البلقان ، ثم رسم خطة سايكس بيكو عام ١٩١٦ لإعادة صياغة خارطة الشرق الأوسط من جديد ، و تدوير التقسيم ببعض اللمسات مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية ، مراعاةً لمصالح المنتصرين في تلك الحرب بغياب المنهزمين مثل المانيا و إيطاليا عن النادي الإستعماري ، و إنشاء دولة إسرائيل لاحقاً، و سطوع نجم آخر في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ، أُعدت في المعابد الصهيونية خرائط جديدة لشرق أوسط جديد ، تحت مسمى الحفاظ على الأقليات و حماية حريات المعتقدات للتكتلات الإثنية ، ليقسم ما هو مقسم و يُجزء ما هو مجزء في الدول الإسلامية مثل ايران و تركيا ، أفغانستان و الباكستان و الدول العربية المختصر بدول الشرق الأوسط .
فهذا التقسيم هدفه الأساسي حماية هذا الكيان الصهيوني اللقيط ، ثم تبني هذا المشروع لاحقاً من قِبل أمريكا ، بإضافة هدف آخر الى جانب حماية دولة إسرائيل ، هو تأمين تدفق النفط و الثروات الغنية من تلك المنطقة الى الغرب بكل سلاسة و هدوء ، و بدء العد العكسي لتطببق نظرية تقسيم الشرق الأوسط الجديد ، بجس النبط العربي منذ بدايات الستينات و خاصة مع المد الثوري الناصري القومي ، الذي شكل إجماع لبعث روح القومية العربية لوطن عربي واحد لا يتقاطع مع نظرية التقسيم الجديدة ، فكان إحتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية عام ١٩٦٧ و أجزاء من مصر وسوريا و لبنان و الأردن نقطة البداية لهذا المخطط ، ثم إشعال الجبهة العراقية و التركية بحراك كردي لوضع اللبنات الأساسية لهذا المشروع ، و إستقلال دويلات الخليج في سبعينات القرن الماضي بشكلها الحالي مثل قطر و عمان ، الكويت و البحرين و الإمارات الى حد ما ، يخدم هذا المشروع بدعم إقامة دويلات قبلية أو عرقية أو إثنية غير قادرة على حماية نفسها من جيرانها ، لتكون دائماً بحاجة إلى وصاية أمريكية صهيونية .
فالقواعد الأمريكية في دويلات الخليج وخاصة الدوحة ، والتواجد الصهيوني في شمال العراق ، كان حسب برنامج زمني محدد بالثانية ، للبدء بمرحلة التنفيذ الثالثة وهي الإستفراد بالدول العربية التي يتجاوز عدد سكانها ال١٠مليون نسمة فما فوق ، حيث أُشعلت الحرب العراقية الإيرانية في بداية ثمانيات القرن الماضي على أساس طائفي ، حيث كانت الجبهة السودانية الداخلية مشتعلة بنكهة إثنية ، ليضعف هذا الصراع جهاز المناعة المناهض لهذا المشروع الصهيوامريكي بإمتياز ، و تتوالى الشواهد بسقوط القلاع و الحصون العربية ، بسقوط العراق في تسعينات القرن الماضي ، و إنطلاق موتمر مدريد ، الذي هو إعلان إستسلام للشرق الأوسط بالجملة للإرادة الصهيوغربية ، و لاحقاً إحتلال بغداد في الألفية الأولى من هذا القرن ، ويقسم العراق الى فدراليات مثل منطقة الشمال للأكراد ، والجنوب للشيعة ، ضواحي بغداد للسنة ، مُنتظرة تلك التكتلات دق الجرس بإعلان كياناتها المسخة في وقت قريب جداً ، أي بعد إبتزاز دول إسلامية أخرى بتهديدها المبطن أو المباشر بهذا الموستر ، كل حسب فهمه لدخول بيت الطاعة الأمريكي بدون خشونة أو صراخ يذكر ، و بعد تفريغ تلك الدول نفسياً و عصبياً يبدء الإنقضاض عليها ، كما فُعل بتقسيم السودان أكبر سلة غذائية للشرق الأوسط الى دولة جنوب السودان المسيحية ، شمال السودان الإسلامي و بعد حين دولة دارفور ، ليدخل هذا المخطط الشرق الأوسطي الجديد مرحلة كسر العظم و مرحلة الحسم .
ببداية موسم الثورات العربية المسمى بالربيع أو الخريف العربي ، أي تفكيك الدول الكبرى التي هي على أجندة برنامج تلك المشروع مسبقاً، بإشعال حروب أهلية حسب طبيعة سكانها من حيث الدين أو الطائفة أو القبيلة ، و تُستغل إرادة الشعوب المشتاقة للحرية برحيل أنضمتها الديكتاتورية التي انتهت صلاحيتها بالنسبة للغرب ، الى سقوط تلك الدول بمواطنيها وحكامها معاً ، و دخولها في طورها النهائي بالفناء بإقتتال أخوة الدم ، لتسقط قلعة عربية أخرى و هي دمشق ، و تتسارع الأحداث للإستعداد بسقوط طرابلس المختار الأبية ، التي دُمرت بأيدي أبناءها بلمسات قبلية و لكن بنفس الماسترو هو أمريكا و إسرائيل ، و هما من سيوءذنان بتفكيك تلك الدولة لاحقاً ، و تدخل صنعاء الصراع القبلي الطائفي بين ما هو جنوبي و شمالي ، و من هو شيعي حوثي أو سني ، و عند الإنتهاء من اليمن الغير سعيد ، يتم الرجوع إلى من فلت بعد ثورة يناير من فكي الحرب الأهلية بأعجوبة ، لتماسك تاريخه بجغرافية مكانه و هي مصر العروبة ، مركز الإشعاع الثقافي و القومي المناهض بفطرته لهذا المشروع الإستعماري ، الذي سيقسمها إلى دولة قبطية و دولة إسلامية ، و دولة النوبة ، و تتوالى الأحداث إلى المحطة الأخيرة بتقسيم بلاد الحجاز إلى دولة دينية تضم مكة و المدينة على شاكلة دولة الفاتيكان ، و دولة شيعية ، و دولة سنية ، و بعد ذلك يكون تفكيك و تقسيم دول أخرى مثل الأردن ، لبنان و دول شمال أفريقيا تحصيل حاصل ، ليصل قطار المصالح الصهيوغربية على سكك أحلامنا و مستقبل الأجيال القادمة في وضح النهار ، مع غياب إستراتيجية دفاع قومية عربية حقيقية ، و تجذر التخلف الفكري و العلمي و الديني فينا ، كيف لنا أن نُلامس تلك الخطر الذي يداهمنا في عقر دارنا ، إذ لم تتوفر عندنا الإرادة ، بأن مشكلتنا ليست إثنية أو عرقية أو قبلية ، بل هي أمريكا و إسرائيل . فمتى تجتمع الإرادت لمقاومة مشروع الشرق الاوسط الجديد 267
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية