2014/10/14
154-TRIAL-
مجرد عقد مؤتمر المانحين في القاهرة أول من أمس، للبحث في أعادة أعمار قطاع غزة ، ومحاولة ترميم وأعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي جرت خلال شهري تموز وآب الماضيين، يعتبر خطوة مهمة بالنسبة للفلسطينيين ولأهل غزة بالذات، لكن هذه الخطوة تحتاج إلى كثير من الجهد، وربما إلى ظروف وعوامل رفع عديدة، حتى تتم ترجمة الأقوال إلى أفعال، وفي الوقت المناسب، أي بأسرع وقت، رغم كل ذلك فان عقد المؤتمر وجه رسالة معنوية إلى أهل غزة.
تماما كما فعلت زيارة رئيس الحكومة رامي الحمد الله وأعضاء وزارته لغزة وعقد اجتماعهم الأسبوع الماضي فيها، لكن وكما قلنا في المقال السابق، فإن عقد الاجتماعات وحده لا يكفي، لأنه قد يعني مجرد إعلان حالة من التضامن أو تبرئة الذمة أو الضمير، ومن ثم يذهب كل إلى حاله، ويبقى أهل غزة، في العراء، يجلسون على ركام منازلهم، يصاحبون الجوع والفقر، واستمرار حالة الحصار، فضلا عن جولة تالية من حرب لا تنتهي .
أول ما يمكن التقاطه من اجتماع المانحين في القاهرة، هو أنه كان على قدر من الأهمية، وذلك لمشاركة نحو 50 دولة في المؤتمر، يتقدمهم الرئيسان المصري والفلسطيني، كذلك الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأميركي، ثم ما أشار إليه البيان من دعم لمبادرة مصر حول وقف النار، بما يشير إلى ضرورة وأهمية وقف النار، وربما أبعد من ذلك حتى تنجح محاولات إعادة الإعمار. لكن ذلك لا يمنع ظهور إشارات غير مشجعة، منها أن المؤتمر اقتصر على "احتفالية" إلقاء الكلمات، وإعلان الدول العربية عن تبرعاتها، ومن ثم انفضاضه قبل مضي اقل من 24 ساعة، دون الحديث عن تشكيل لجان للمتابعة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك جملة من الإشارات التي تستند إلى تجربة سابقة على الأقل، فإنه يمكن القول بأنه ما لم يتابع الجانب الفلسطيني بكل مكوناته وبكل قوته هذا الأمر، فان الحصاد لن يكون بحجم ما جناه البيدر !
أولاً يمكن ملاحظة أن ما أعلنته الدول العربية الخليجية : قطر، السعودية، الكويت والإمارات يبلغ نحو نصف ما أعلنت عن التبرع به الدول المجتمعة، وهو لا يزيد أو ينقص عما حدده الجانب الفلسطيني من أموال لازمة لإعادة الإعمار على ثلاث مراحل، كما أنه يزيد قليلا عما كانت قد أعلنت عن التبرع به الدول المانحة قبل نحو خمس سنوات في مؤتمر شرم الشيخ الذي أعقب الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008 / 2009، ولم يتم تنفيذ شيء منه، وكأن من دمرت منازلهم قبل خمس سنوات، "راحت عليهم"، وهذا يؤكد أن الأقربين أولى بالمعروف وان الدول الأوروبية لم تعد متشجعة لأكثر من سبب للاهتمام بالشأن الفلسطيني.
لكن زيارة بان كي مون لغزة تنطوي على إشارة إغاثية مهمة، ورغم ذلك لابد من القول بأن إعادة إعمار غزة برمتها إنما هي عملية سياسية بالدرجة الأولى، يعتمد تنفيذها بشكل حاسم على العامل الفلسطيني الذاتي، من جهتين : الأولى، هي متابعة حث الدول التي أعلنت عن استعدادها للتبرع لدفع ما تعهدت به، كذلك حث كل من مصر وإسرائيل على تقديم التسهيلات اللازمة حتى تدخل مواد الإعمار، ب فتح المعابر بالأساس، والثانية هي عدم النزاع الداخلي عبر اللجان المحلية المنفذة والمتابعة للعملية.
كذلك لا بد من النظر للملف برمته ضمن إطار المضي قدما بالمصالحة وترتيب البيت الداخلي، لضمان عدم إقحام غزة مجددا في حرب تالية، فإسرائيل التي تبدي التجاوب الآن، نظرا لأن الحديد ساخن والدم حار، ستسعى إلى عرقلة العملية ومحاولة إطالتها إلى أطول وقت ممكن، حتى ينشغل الفلسطينيون بملفات غزة الداخلية عن مقارعة احتلالها للضفة الغربية و القدس ، وملاحقتها دوليا إن كان بهدف جرها للقضاء الدولي لارتكابها جرائم الحرب في غزة، أو للمطالبة بإنهاء احتلالها .
لا بد إذن من دفع العملية السياسية إن كانت تلك الخاصة بإنهاء الاحتلال بالكامل، أو تلك المتعلقة بإنهاء حصار غزة، وهذا في كل الأحوال يتطلب طي صفحة الانقسام، وتعزيز نظام الشراكة السياسية بشكل نهائي، بما في ذلك التحضير للانتخابات العامة، وتوحيد المجموعات المسلحة في غزة، وتحويلها إلى جيش وطني، مهمته دفاعية بالدرجة الأولى، حتى يمكن القول بأن غزة قد وضعت الدمار وراء ظهرها، وأنها بدأت انطلاقة التنمية، حتى تهزم محاولة إسرائيلية مستمرة، بجعلها عبئا على المشروع الوطني وعلى السلطة الفلسطينية، وانتقالها من أن تكون عبئا أو ملهاة لهذا المشروع إلى رافعة له، توفر له منصة سياسية / اقتصادية، فلا تكون بديلا عن الدولة، إنما منصتها وأولها، وحتى أنه في الإعمار نفسه، لا بد من إعداد المشاريع الذاتية التي تعتمد على سواعد الشباب والمواطنين، إضافة إلى مساعدات رجال الأعمال الفلسطينيين في كل مكان، وفق خطط تشبه إلى حد بعيد خططا نفذتها دول مثل ألمانيا واليابان، بعد أن دمرتها الحروب، وحيث أن الشرق الأوسط برمته يدور في "مطحنة" حروب مختلفة، فان اهتمام الآخرين بالفلسطينيين لن يكون كافيا ولا بديلا عما يمكن، بل وعما يجب أن يفعله الفلسطينيون بأنفسهم لأنفسهم.
Rajab22@hotmail.com 236
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية