74-TRIAL- مع صبيحة كل يوم تنطلق قنوات الاحتلال الإخبارية في البحث عما يشتت شمل الفلسطينيين ويصطاد في مياههم العكرة ويفرق جمعهم ليتناول "صوت إسرائيل" بالأمس وعبر احد مراسليه حرب السجال القائم بين حركتي فتح و حماس متغنيا بذلك وقائلاً: ما أن وضعت الحرب أوزارها في غزة حتى نشبت حرب أخرى هذه المرة فلسطينية- فلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
الإذاعة ذاتها تحدثت عن هذه الحرب بنوعٍ من التشفي معتبرة إياها ضمناً بأنها حرب هي الأفضل لأمن إسرائيل وبقاء احتلالها. شهادة احتلالية جديدة تحمل في طياتها تأكيداً دامغاً ومتجدداً لأهمية الانقسام الفلسطيني - الفلسطينيين من منطلق العقل الاحتلالي القائم على الفرقة والسواد.
حرب الفلسطيني على الفلسطيني هي الحد الفاصل ما بين القدرة على البناء على الحرب الأخيرة على غزة وما بين ضياع الكل الفلسطيني. ولعل التفكير ملياً بما لهذا الوضع من تأثير قاهر ومدمر على الهوية الفلسطينية أن يساعد العقلاء في الاستنتاج الفعلي بأن الذين قتلوا تحت نيران المحتل وإن استمر الانقسام لن يعود لدمهم قيمة ولا جدوى.
اليوم يوم الخلاص من المحتل واليوم يوم الاستقلال لكن هذا التوجه والهدف لا قيمة له في حال استمرار الانقسام قولاً وفعلاً بل أكاد أجزم بأن المنفلتين نحو تعزيز الشرخ أو تلويث المشهد الوحدوي لهم متساوقون من حيث يعلمون أو لا يعلمون مع الاحتلال. فإطلاق النار على الفلسطيني من بندقية فلسطينية وتعذيب البعض الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية لهو قمة النكبة والنكسة وما بينهما من دمارٍ شامل.
وكم من مرة أحمد الله فيها على أن جيل الرعيل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة ليسوا أحياءً اليوم حتى لا يروا ويسمعوا عن مآل الحال الفلسطيني الفلسطيني. فلو أنهم علموا بأن حصيلة نضالهم ستأتي على هذا الحال لقرروا الرحيل عن الدنيا من جديد على أن يروا ما نعيشه اليوم.
فكيف لا يكون قتل الفلسطيني لأخيه فرصة نوعية للاحتلال؟ وكيف لا تكون معركة تصفية الحسابات بين الأشقاء فرصة ذهبية لإسرائيل حتى تستثمر فيها بالقول والفعل والتواطؤ؟ إعمار غزة أم لا إعمار؟ رفع الحصار عن القطاع أم عدمه؟ تحرير فلسطين أم لا تحرير؟ كلها ستبقى أمورٌ في مهب الريح مع استدامة الشرخ الفلسطيني الداخلي. لذا لن يكون من حق احد الاحتفاء بالانتصار أو أي نوعٍ من أنواع الادعاء بالانتصار.
لقد شارفت ريحنا على الذهاب وقارب إرثنا النضالي على النضوب وسيأتي يومٌ في ظل استدامة هذا الحال ليسأل أبناء الشهداء وأهليهم عن مغزى استشهاد آبائهم وأبنائهم! فإن لم يذهبوا فداءً للتحرير فلماذا قضوا؟ بأي حق وبأي ذنب؟
إن أبشع ما يعيشه المرء اليوم هو أن يكون شاهدا على مهزلة الانقسام واستمرارها وتبعاتها وحساباتها وشراكاتها الإقليمية والعالمية ومدارس الفكر الإقصائي ومشارب الإحلال لا الشراكة.
أما دم الشهداء خاصة من الأطفال والنساء والشيوخ لن يكون إلا محكمة مستديمة لكل المطبلين والمهللين لمعركة إطلاق النار على رأس النضال الفلسطيني وأرجله وروحه! فهل نقرأ السلام على روحنا؟ أم نقرأ اليوم فاتحة الخلاص من المحتل؟ أم نتمنى أننا لم نكن لنعيش ولنشهد النكبة المتجددة التي وقودها الشعب الفلسطيني- دمه وماله وحتى عرضه؟! 194

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد