أطلق الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي د. رمضان شلح في ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الــ 29 مبادرة من عشرة نقاط لإنهاء ووقف الانهيار والمساهمة في الخروج من المأزق الفلسطيني تضمنت عشرة نقاط في مقدمتها دعوة الرئيس محمود عباس إلى الإعلان عن إلغاء اتفاق أوسلو من الجانب الفلسطيني والعمل به في المجالات كافة، إلى جانب سحب منظمة التحرير الاعتراف بالكيان الإسرائيلي.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو حجم التهليل والتطبيل الإعلامي الذي صاحب إطلاق هذه المبادرة ولا زال، والآمال العريضة التي يعلقها البعض عليها، والتصريحات المتتالية والمتتابعة من أكثر من جهة فلسطينية حزبية وشعبية حول نجاعة وأهمية هذه المبادرة ووصفها بمبادرة الفرصة الأخيرة لإنقاذ القضية الفلسطينية من الانهيار التام وإخراجها من قمقم الفشل والضياع قبل فوات الأوان؛ على الرغم أن القاصي والداني والقريب والبعيد متيقنون حتى مطلقها الدكتور شلح نفسه أنها ستبقى حبراً على ورق ولن ترى النور مطلقاً ليس لأنها مبادرة سيئة أو منحازة أو عقيمة .. بل على العكس فالمبادرة نظرياً جيدة وبنودها نظرياً جيدة جداً وهي أفضل ما يصبو إليه كل فلسطيني أن يتحقق .!! إذن لماذا لن ترى هذه المبادرة النور ؟!
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نذكر أولاً أن هذه المبادرة طرحت في فترة تشهد أشد الأوقات إيلاماً وتشرذماً للشعب الفلسطيني حيث تتبعثر أوراق واقعه السياسي بين انقسام طاحن سببه الصراع بين قطبي الحياة السياسية الفلسطينية ( حماس وفتح) عصف ولا زال بالقضية الفلسطينية وبمستقبل الشعب الفلسطيني برمته، انقسام لا يظهر له في الأفق نهاية، أو على الأقل في القريب المنظور؛ وبين صراع ملتهب وعلى أشده بين تيار الرئيس عباس والمفصول من حركة فتح محمد دحلان ، كما أن علينا أن نذكر أيضاً أن هذه المبادرة تطرح والعالم العربي يهوج ويموج في صراعات ومشاكل لها أول وليس لها آخر جعلت من القضية الفلسطينية استثناء وليس أصلاً كما كانت عليه منذ 70 عاماً خلت.
هذه الظروف المتباينة والمعقدة تجعل من استجابة الأطراف الفلسطينية والعربية لما جاء في المبادرة من بنود أمر صعب للغاية هذا إن لم تكن مستحيلة، فالبند الأول والرئيسي في المبادرة يطالب الرئيس عباس بالإعلان عن إلغاء اتفاقية أوسلو وتوابعها من تفاهمات سياسية وأمنية مع الطرف الإسرائيلي وهو ما يستبعد حدوثه كل من يعرف ظروف وأوضاع السلطة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث هي مكبلة ومحاصرة تماماً في الضفة الغربية من قبل السلطات الإسرائيلية وجيش الاحتلال، وفاقدة لكل سلطاتها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس منذ تسع سنوات تقريباً سيطرة مطلقة بعد صراع دام أدى إلى دحر السلطة وفتح ، وتعيش ظروفاً استثنائية غايةً في الصعوبة والتعقيد تجعل من تعاطيها الايجابي مع هذه البند بشكل خاص والمبادرة بمجملها بشكل عام أمراً مستحيلاً بل ومستحيلاً جداً ويكفي بأن ندلل على صحة هذه الاستحالة بما صرح به نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة في مقابلة صحفية نشرتها وسائل الإعلام قال فيها نصاً : لم يكن عندنا أمل واحد بالمائة أن يقبل أبو مازن المبادرة، لكن نحن توجهنا له بالخطاب كي يتحمل مسؤوليته تجاه شعبنا وقضيتنا، ولأن الأمر مرتبط بمستقبل ومصير فلسطين وأهلها، فهذا لا يقرره فصيل أو تنظيم بمفرده... إذن فالجهاد يطرح مبادرة بندها الأول الرئيسي غير قابل للتنفيذ مطلقاً وهو ما يؤكد بأن هذه المبادرة نظرية إعلامية أكثر منها عملية وهذا بشهادة واعتراف الجهاد نفسه.
ولو تتبعنا كذلك بعض البنود الأخرى للمبادرة التي تدعو منظمة التحرير الفلسطينية لسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، والتأكيد على أن القضية لا تقتصر على الضفة وغزة،بل على فلسطين كلها ، والإعلان كذلك على أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني مرحلة تحرر وطني، وهذا يتطلب من الجميع وكافة القوى الوطنية تحمل مسئولياتها، والبحث في حالة الصراع وآلياته ووسائل المقاومة وتطويرها ضمن واقع ثوري يحقق في محصلته النهائية انتصارا للحق الفلسطيني.
مما لا ريب فيه أن الدكتور شلح وقيادة حركة الجهاد يعلمون علم اليقين بأن البنود أنفة الذكر غير قابلة للتطبيق أو حتى للتعقيب عليها من قبل السلطة الفلسطينية التي تنظر إلى تعتبرالقبول بأي بند من البنود السابقة وكأنه شهادة الفناء بالنسبة لها، وبناء عليه فإن السلطة تعتبر أنه من سابع المستحيلات مناقشتها أو التعاطي معها بأي شكل من الأشكال خصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي تتكالب عليها مجموعة من الظروف القهرية المحبطة تجعلها تبتعد كل البعد عن أي سبب من شأنه أن يثير حفيظة الجانب الإسرائيلي ويطلق العنان لغضبه ، فرئيس السلطة يخوض حرباً ضروس مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، ولديه الصراع المفتوح مع حركة حماس، والطنطنة المتزايدة حول مسألة خلافته، وكذلك التصريحات العدائية التي يطلقها نتنياهو وليبرمان وبقية المسئولين الإسرائيليين بحقه، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والأمنية في الضفة الغربية ومحاولات إسرائيل تقويض حكمه فيها وإحراجه بكل وسيلة كانت سواء كانت من خلال اعتقال المواطنين الفلسطينيين في الضفة أو اجتياح المدن والقرى الفلسطينية واستباحتها على الرغم من وقوعها تحت سيطرة السلطة الفلسطينية نظرياً.
لكن رغم كل هذه المحبطات وانسداد الأفاق أمام نجاح هذه المبادرة إلا أنه علينا أن ننظر باهتمام كبير وبالغ للبند الخامس الذي تحدث عن إنهاء الانقسام، فهذا البند هو الممكن الخطير والحساس والمطلوب الذي إن تم التغلب عليه وإنهاؤه فسيكون المدخل الحقيقي والراسخ لعودة التوازن للبيت الفلسطيني المتصدع والذي نستطيع أن نبني عليه عملية تكاملية من الإصلاح واعادة ضخ الدماء في شرايين القضية الفلسطينية المتصلبة نتيجة الانقسام والتشرذم والتفرق في الأهداف والمواقف والمصالح.
لقد أطلق الدكتور شلح مبادرته وهو يعي تماماً أن مآلها الفشل أو لنقل عدم قابليتها للتنفيذ على الأرض بسبب عوامل محلية وإسرائيلية وعربية ودولية عديدة ومتنوعة يعرفها الصغير قبل الكبير من أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن علينا ورغم ذلك العمل بكل قوة وصدق نية على تحقيق البند الخامس من المبادرة على وجه التحديد وهو إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة ووحدة الصف للشعب الفلسطيني في الوقت الراهن فذلك الطريق الوحيد المؤدية إلى وقف الانهيار واعادة عربات القطار الفلسطيني الى السكة الصحيحة حتى نتمكن من السير بقطار القضية الفلسطينية مجدداً نحو الإنعتاق من الاحتلال الإسرائيلي البغيض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية