على الرغم من مكانته الدستورية كملك ورأس للسلطات، ومن إرث أسرته التاريخية، لم يفرض عبد الله بن الحسين رؤاه الفكرية والسياسية والمنهجية على الأردنيين، ولذلك أطلق على رؤاه "أوراق نقاشية" أي أنها معروضة للنقاش، وطالما كذلك فهي تحتمل القبول أو الرفض، ولكنها تفترض الاهتمام، وتتوسل الحوار، وهي بالضرورة تستوجب الاهتمام من كافة الأردنيين، ومن مختلف طوائفهم السياسية، وخاصة من قبل:
أولاً: الاتجاه المحافظ وشخصيات الوظيفة العامة، الذين تربوا في حضن المؤسسة الرسمية ورعايتها وباتوا رؤساء حكومة، ووزراء، وباشوات، ونواباً وأعيانا، بفضل الدولة التي علمتهم، ورفعتهم من الفقر، وحررتهم من الحاجة، أبناء الريف والبادية، وتحولوا إلى قادة بفعل "الدولة" وحضانتها وبعثاتها وتمويلها من جيوب الأردنيين، ولا أستثني أحداً منهم، نعم لا أستثني أحداً وكل من يخطر على باله، ممن تولى وظيفة، أقصده بالذات، رئيساً، وزيراً، عيناً، نائباً أو باشا ومن في حوزتهم ومكانتهم، فهؤلاء المبعثرون فكراً أو مكانة وتخريباً وموقفاً هم أحوج الأردنيين للتفاعل مع الأوراق النقاشية لتأدية الواجب، واحتراماً للذات، وبحثاً عن موقف واع، ودراية لسياسة، وانحيازاً لتيار، خاصة وأنهم بلا مرجعية تؤطر تفردهم، وتمزق صفوفهم، وتنافسهم الذاتي الشخصي الضيق غير المبرر المبعثر.
ثانياً: أحزاب التيار اليساري والتيار القومي والتيار الليبرالي، لأنهم يجدون قواسم مشتركة فيما يقولون ويبحثون ويناضلون من أجله في ثنايا الأوراق النقاشية، فتمدهم بسلاح، وتعطيهم قوة محلية وطنية نحو تطلعاتهم اليسارية والقومية والليبرالية، خاصة وأن الأوراق غير مفروضة عليهم، ولكنها معروضة للنقاش لهم وأمامهم إن أرادوا.
ثالثاً: أحزاب التيار الإسلامي، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، لأنها التنظيم الأكبر والأقوى حضوراً على المسار السياسي وسط شعبها وبين مساماته في الريف والبادية والمخيمات وأحياء المدن، وكان لهم النفوذ والتأثير على قطاع واسع في المدارس والجامعات والمساجد، وعلى المهنيين وقادة الرأي العام وما زالوا، سواء على أولئك الذين تركوا أو انشقوا أو فُصلوا، أو على أولئك القطاع من الحزبيين وشريحة أصدقائهم، والخلاف الصادم الآن حول المناهج إنما هو تعبير عن العقلية المحافظة التي كانت مسيطرة على المؤسسات التربوية والأكاديمية، المتأثرة بفعل سياسات حركة الإخوان المسلمين ونهجها وفلسفتها الحياتية، وبين العقلية الحداثية التي تتوسل الانخراط في قيم العصر والانفتاح والدمقرطة والتعددية والمواطنة، ولذلك يحتاج هؤلاء ومن صفهم ومن يتأثر بهم التعامل بروح إيجابية، مع أوراق الملك النقاشية، كونها تقدم رؤية تستجيب لمصالح أغلبية الأردنيين وتطلعاتهم.
أوراق الملك النقاشية رؤية وفلسفة ومنهاج عمل تستوجب الاهتمام وأن تكون بوصلة ومرشداً، بعدما أخفقنا في الاستفادة من إجماع الميثاق الوطني، ورؤية الأجندة الوطنية، وحصيلة عمل لجنة الحوار الوطني وغيرها من الأوراق الجماعية، كي تكون أوراق الملك النقاشية أرضية بحث، وجدلية عمل نحو رؤية تتوسل الواقعية لمستقبلنا، ولما يتطلع الأردنيون لإنجازه وإقراره ووضع مخططات تفصيلية لهذه الرؤية لعلها تأخذنا خطوات جوهرية إلى الأمام، نحو أردن تعددي ديمقراطي تقوده حكومات برلمانية حزبية في ظل نظام نيابي ملكي دستوري.

h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد