كرست نتائج الانتخابات المغربية لمجلس النواب الثاني القائم على دستور ثورة الربيع العربي العام 2011، دستور الملكية الدستورية، وحكومة الحزب الأكبر، وتداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع، وعليه كرست هذه الانتخابات جملة من الحقائق السياسية الهامة، لعلها تشكل نموذجاً ومرشداً للطرفين في العالم العربي، للحكام وللمحكومين، وهي على النحو التالي: 
أولاً: إن حزب العدالة والتنمية صاحب الخلفية الإسلامية، والمرجعية الوطنية، بات بعد أن تخلى عن مرجعيته الإخوانية، حقيقة ساطعة من حقائق الحياة السياسية المغربية، وحزباً ناجحاً بكل المعايير، سواء بمعيار إدارة الحكومة لمدة خمس سنوات ماضية منذ فوزه في الانتخابات الأولى في تشرين الثاني 2011، وتشكيله حكومة وطنية حزبية ضمت اتجاهات مختلفة، بمن فيهم الشيوعيون من حزب التقدم والاشتراكية، او بمعيار جذب الناخبين لصالحه وتجديد ثقة أغلبية الناخبين به، وحصوله على 125 مقعداً في البرلمان الجديد، تؤهله للتكليف الملكي مرة أُخرى، لرئاسة الحكومة المقبلة برئاسة عبد الإله بن كيران. 
ثانياً: إن حزب العدالة والتنمية، لن يكون منفرداً في إدارة الحكومة والبرلمان، بل سيكون مضطراً الى الاعتماد على والتحالف مع أحزاب أُخرى، كي يقود الحكومة ويحصل على الثقة البرلمانية، وذلك نتيجة إفرازات صناديق الاقتراع التي كرست وجود قطب آخر، ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة إلياس العماري، الذي حصل على 102 مقعد، فيكون بذلك شريكاً من موقع القوة، أو معارضاً أقوى يعمل على إسقاط الحكومة لدى تعثرها. 
ثالثاً: إن لدى اليسار المغربي حضوراً وجمهوراً يمكنه من الوصول إلى البرلمان بما لا يقل عن عشرين مقعداً موزعة ما بين القوميين والتقدميين إلى الشيوعيين إلى الاجتماعيين الليبراليين ونهاية بالماركسيين، ولكنهم غير موحدين في التوجه والخيارات ويتنازعون فيما بينهم، من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وحزب فدرالية اليسار الديمقراطي. 
رابعاً: على الرغم من روح المنافسة بين الأحزاب المغربية الجاذبة للناخبين نحو صناديق الاقتراع، فقد ثبت أن المغاربة بأغلبيتهم لا يثقون بالمؤسسة البرلمانية، ولا يثقون بقدراتها أو باستقلاليتها، ولا يثقون ايضا بأن تصويتهم قادر على تغيير النتيجة، وهذا يدلل على مستوى الوعي السياسي الحزبي، وتدني مستوى الرهان الشعبي على الأحزاب القائمة، ما يتطلب جهداً ووقتاً لجعل المغاربة في الموقع والخيار الواثق، بأنهم هم من يصنعون بأصواتهم طرفي المعادلة الدستورية، البرلمان والحكومة.
فنجاح دورة البرلمان الأولى والحكومة البرلمانية الأولى خلال السنوات الخمس الماضية غير كاف لتغيير وعي المغاربة وتعديل خياراتهم من المقاطعة إلى المشاركة، ومن السلبية إلى الإيجابية، فالوعي السابق والانطباع  القائم تشكلا خلال عشرات السنين، والأمر يحتاج لسنوات أُخرى حتى يتم التعديل والتغيير، ويكتمل الرهان على الأحزاب وصناديق الاقتراع، ولكنها البدايات المعقولة والأسس المستقرة التي يمكن البناء عليها، بعد أن هبطت نسبة التصويت من 45% عام 2011 إلى 43% عام 2016. 
حزب العدالة والتنمية حقق فوزاً، وكرس نفسه الأقوى والأكبر، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أنه صاحب مرجعية إسلامية في مجتمع محافظ، يؤدي الدين دوره العميق في صياغة وعي الإنسان، وثانيها أنه يحظى برضى الملك والقصر ومؤسسات الدولة ويتفاعل معهم في العناوين الأمنية والسياسية الخارجية، بما في ذلك الاستجابة لنصائح صندوق النقد الدولي، وثالثها أنه كان في إدارة الحكومة وعزز من سلطته ونفوذه طوال خمس سنوات، إضافة إلى امتلاكه علاقات خارجية مع حركة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا توفر له غطاء ودعماً إعلامياً من شبكة الجزيرة وأدواتها مالا يملكه أحد من الأحزاب الأخرى. 
الانتخابات البرلمانية الحزبية في المغرب كرست حقائق سياسية على المستوى الوطني، ولكنها كرست حقيقة قومية على المستوى العربي، وهي أن المغرب يقف في طليعة البلدان العربية التي اختارت المزاوجة بين استقرار النظام الملكي والنظام البرلماني الحزبي، وفق منظومة ديمقراطية متسقة متبادلة تقوم على الشراكة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وهو بذلك يتقدم على الأنظمة الملكية العربية، مقابل حقيقة موازية وهي أن الأنظمة الجمهورية ما تزال مراوحة  في مكانها، بعد أن تراجع النظام الجمهوري اللبناني الذي كان يتقدم على كلا النظامين، وبات أسيراً لإفرازات الربيع العربي، فلا هو تقدم إلى الأمام، ولا هو حافظ على ما كان يملكه من إيجابية متميزة كان يتفرد بها. 
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد