تحدثنا في الحلقة الأولى عن نشأة بلدية غزة في سنة 1893م أي قبل 123سنة كاملة ، وأشرنا إلى رؤساء وأعضاء المجالس البلدية التي قادت وأدارت البلدية خلال العهد العثماني الذي انتهى في فلسطين بعد هزيمة الأتراك على يد الحلفاء سنة 1918م، ليحل الاحتلال ثم الانتداب البريطاني على فلسطين من 1918- 1948م أي ثلاثين سنة كاملة ... وفي هذه الحلقة سنتناول جانب من تاريخ البلدية خلال الانتداب البريطاني.

حُكمت فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرةً من قِبل إدارة عسكرية بريطانية عرفت باسم "الإدارة الجنوبية لبلاد العدو" ثم استبدلت بعد إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين سنة1922 بحكومة الانتداب التي اتخذت من مؤسسات الحكم المحلي وسيلة لتنفيذ سياستها العامة، وقد أولى الانتداب البريطاني اهتماماً كبيراً في تطوير قطاع الحكم المحلي في فلسطين ، في محاولة منه لصبغ النظام الإداري بالصبغة البريطانية،

وبالنسبة لما تمخضت عنه الحرب العالمية ونتائجها على غزة فقد كانت المدينة في الفترة الواقعة بين عامي 1916-1917م مسرحاً لثلاث معارك ضارية بين جنود الحلفاء بقيادة البريطانيين وبين الأتراك دمر أسطول الحلفاء على إثرها معظم مدينة غزة بأسلوب بربري ولم ينج منها جامع أو سوق، وكادت الحرب الكبرى أن تقضي على المدينة قضاءً مبرماً، وأدى إكراه الأهالي على الهجرة  والأهوال التي واجهتهم، وإطلاق المدافع لنيرانها على المدينة براً وبحراً إلى الهبوط بها من الأوج إلى الحضيض، وقد هبط عدد سكانها خلال الحرب هبوطاً حاداً حتى وصل إلى 4 آلاف نسمة فقط.

استولى البريطانيون على غزة في اليوم 7/11/1917م (بعد خمسة أيام من وعد بلفور) وأسفرت هذه المعارك الضارية عن تدمير أكثر من ثلث مباني المدينة الأثرية الهامة. وباحتلال غزة بدأ فصل جديد وعهد جديد من تاريخ هذه المدينة  التي كانت عاصمة للواء غزة أحد الألوية التي تشكلت منها فلسطين إدارياً  .

بعد أن وضعت الحرب أوزارها وحسم الأمر عسكرياً لبريطانيا ، بدأ سكان المدينة بالعودة إليها وإعادة تعميرها ، ورغم أن عدد الذين رحلوا عنها بلغ 28 ألفاً ، عاد إلى غزة نحو 18 ألفاً فقط ، وبقى الآخرون في يافا وحيفا حيث شكلوا جاليات صغيرة ، كما بقيت أعداد ضئيلة منهم في مدن وقرى أخرى من فلسطين وسوريا .

وفي منتصف العام 1920م ، وبعد استتباب الأمور لبريطانيا نهائياً واستيلائها على فلسطين كاملة ، بدأت تعمل على تفعيل مؤسسات المجتمع المحلي وفي مقدمتها البلديات ، فقامت بتفعيل البلديات الفلسطينية الاثنتان والعشرون التي كانت موجودة منذ العهد العثماني من خلال تشكيل مجالس لهذه البلديات، كان من ضمنها بلدية غزة ، كما بدأت بإنشاء مجالس بلدية وسلطات محلية عربية ويهودية جديدة ؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدر المندوب السامي هربرت صموئيل خلال شهر آذار/مارس 1922م قراراً بتأسيس مجلس محلي قرية "اشدود" وهو مجلس محلي يهودي ، وقرار أخر بتأسيس مجلس محلي قرية الفالوجة .

 

المجلس الأول لبلدية غزة ( 1918 – 1924م )

من المرجح أن أول مجلس بلدي لمدينة غزة في ظل الاحتلال البريطاني ضم رئيساً وخمسة أعضاء وامتد عمله من 14/7/1918م والى 31/5/1924م،  وضم كل من : محمود إبراهيم أبو خضرا رئيس البلدية، إبراهيم عبد الرحمن البربري عضو مجلس بلدي، محمد علي سعد الجرجاوي عضو ، إبراهيم داود ظريفة عضو، عمر أحمد الصوراني عضو، رشيد عبد الله خوري عضو ؛ أما محمود أبو خضرا فقد ولد في مدينة يافا عام 1888م ، من عائلة معروفة كان أبوه تاجراً ، ورث عنه الكثير من الأملاك والثروة. أما والدته فهي مريم أبو عيد من مدينة الرملة ، توفيت ووالده في غزة بعد النكبة ، تلقى محمود أبو خضرا علومه في فلسطين ، ودمشق ، واسطنبول ، وباريس ، وكان يتقن التركية، والفرنسية، وبدرجة أقل الإنجليزية. عين رئيساً لبلدية غزة عام 1918م ، وتركها في 31/5/1924م بعد تعيينه قائممقام لمدينة غزة . نقل للعمل في مدينة يافا عاصمة لواء اللد عام 1928م ، واستقال من الوظيفة العمومية عام 1936م. تم تعيينه من قبل سلطة الاحتلال البريطاني عام 1918م ليكون أول رئيس لبلدية غزة بعد الاحتلال البريطاني على فلسطين ، تزوج من ابنة عمه أسماء إسماعيل أبو خضرا . رُزق منها أربعة من الذكور: عدنان الذي لا يزال على قيد الحياة ويعيش في الأردن ، وسامي الذي توفى وعمره سبع سنوات ، والدكتور عمر الذي توفى في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1982م ، والدكتور رجائي الذي توفى في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1988م .

أما إبراهيم عبد الرحمن البربري فقد ولد في مدينة غزة عام 1856م، من عائلة تنسب إلى البربر. كان والده عبد الرحمن البربري من كبار التجار و ذوي الأملاك ، ورث عنه ابنه إبراهيم تركة طائلة ، وعمل في التجارة والصناعة .أما والدته فهي فاطمة صوان توفيت في ثلاثينيات القرن العشرين، درس في الكتاتيب التي كانت المصدر الأساسي للتعليم في ذلك الوقت وكان يجيد القراءة والكتابة والحساب،كان من الشخصيات البارزة في اللواء الجنوبي، احترف مهنة العلاج بالطب البديل "العلاج بالأعشاب" والحجامة ، ومعالجة أورام الخد معتمداً على كتاب تذكرة داود ، انضم إلى المجلس البلدي الأول وتولى رئاسته بالإنابة خلال تغيب رئيس البلدية محمود أبو خضرا، تزوج مرتين ؛ الزوجة الأولى "تركية الزبدة"، أما زوجته الثانية فهي " لبيبة محمود عبد الغني حلاوة" . رُزق منها ثلاثة ذكور هم : المحامي كمال وهو من أكبر محاميي فلسطين كان يجيد اللغة الإنجليزية وتولى الدفاع عن رجال المقاومة أمام المحاكم العسكرية الإنجليزية باللغة الإنجليزية ، كان ناشطاً وطنياً وسياسياً بارزاً ، قيل أنه استشهد عقب احتلال إسرائيل لقطاع غزة عام1967م ولم يعثر على جثمانه أبداً ؛ والمهندس الزراعي مصطفى ، والمهندس عصام . وثلاث إناث هن :ميسر عملت في مجال التعليم في مدارس البنات بغزة والكويت فترة طويلة ، ويسرى الناشطة النسائية المعروفة ورئيسة الاتحاد النسائي الفلسطيني بقطاع غزة منذ عام 1964م وحتى وفاتها ، وفاطمة عملت في مجال التعليم بمدارس غزة . اهتم إبراهيم البربري بتعليم أبنائه ، وكان من أشد المتحمسين لتعليم البنات ، والدليل على ذلك قيامه بتعليم جميع بناته وإشراكهن في الحياة العامة كمربيات ، ومعلمات ، وناشطات في مختلف المجالات السياسية والنسائية ، توفى في 15/5/1948م.

أما العضو محمد علي سعد الجرجاوي فقد ولد في حي الدرج بمدينة غزة عام 1862م ؛ من عائلة تنسب لقرية جرجا من صعيد مصر، حفظ القرآن الكريم في كتاتيب المدينة ، وأجاد القراءة والكتابة على الرغم من عدم التحاقه بالمدارس، نشأ في أسرة ميسورة الحال ، وكان من ذوي الأملاك والأراضي، كان من الشخصيات البارزة في الإصلاح والقضاء بين الناس وإصلاح ذات البين ، وعين مختاراً لمحلة الدرج ، وكان ذا هيبة ومكانة عالية عند الناس، واستمر في المجلس البلدي الأول والثاني والثالث ، ولم يخرج من المجلس إلا بعد اعتلال صحته .

تزوج ثلاث مرات ؛ زوجته الأولى "الحاجة أم مصباح" رُزق منها "مصباح" الذي توفى وهو طفل صغير ، أما زوجته الثانية فهي "بديعة عثمان الشوا" رُزق منها "ديب" و"حسام" و"نور الهدى" الذين توفوا في صغرهم ، . ثم تزوج الثالثة وهي "نبوية عبد الله الجرجاوي" رُزق منها : "ربيع" و"حمدان" و"فوزية" و"مريم" و"خيرية" ، توفى " ربيع" في ريعان شبابه وهو ابن 25 عام ، فلم يتبقى له من الذكور غير "حمدان" ، توفى عام 1937م عن عمر يناهز 75 عاماً .

أما عضو المجلس إبراهيم داود ظريفة فقد ولد في مدينة غزة في مطلع ستينيات القرن التاسع عشر ؛ ينتمي لعائلة من عائلات غزة المسيحية ظهر منها: تجار ووجهاء توظفوا بدوائر الحكومة، كان يقرأ ويكتب ولديه إطلاع كبير وكان من الأعيان وكبار التجار و ذوي الأملاك وكان من أبرز وجوه الطائفة المسيحية في غزة في عصره ، ومختاراً للطائفة ، ومن وكلاء الكنيسة وكان يسكن في منطقة رأس الطالع بحي الزيتون ، تزوج من صديقة نقولا شحيبر رُزق منها : خليل "الذي تسلم منصب مختار الطائفة بعد وفاة والده" وجليل ونعيم وكمال وجوليا ونجلاء وجورجينا " توفوا جميعهم" .. توفى عام 1945م.

أما العضو عمر أحمد الصوراني فقد ولد في مدينة غزة عام 1885م ؛ من عائلة بارزة في غزة، كان والده أحمد محمد الصوراني من الشخصيات الوطنية المعروفة، درس في بيروت واسطنبول، عمل على إدارة أملاك والده ، وعمل عمر في التجارة مع شقيقه موسى، وتولى منصب نائب رئيس البلدية بعد أن عين محمود أبو خضرة قائممقام للواء غزة وبقى في  منصبه حتى عام 1928م . تزوج من ابنة عمه زليخة محمد الصوراني رُزق منها من الذكور: جمال وهو من الشخصيات الوطنية والسياسية المرموقة ظل عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لعدة مرات ، ورئيساً للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين منذ عام 1970م ، وعيسى الذي عمل قاضياً لمدة ثلاثين عاماً وتقاعد عام 1986م ، وأحمد ، وإحسان ، الأول والثاني لا زالا على قيد الحياة ، فيما توفى أحمد وهو طفل صغير ، أما إحسان فقد لقيّ حتفه عام 1925م عندما انفجر فيه مدفع رمضان وهو ابن 12 عاماً ، كما رُزق منها أميرة وشهيمة ، وكان يكنى بأبي إحسان، توفي عام 1928م .

أما عضو المجلس رشيد عبد الله خوري فهو سوري الجنسية ، ولد في ثمانينات القرن التاسع عشر في مدينة حمص السورية ، لذلك أطلق عليه لقب "الحمصي" قدم إلى غزة مع عمه "مينا خوري"، استقر رشيد في غزة وعمره 13 عاماً، وكان يسكن في شارع فهمي بك ، عمل في التجارة ، وكان من أرباب الثروة ، كان من الوجوه المجتمعية البارزة، تزوج من سروى صباغ من سوريا رُزق منها ولداً واحداً هو "عبد الله" وهو متوفي؛ وست بنات هن: أميرة ، وحسيبة ، وايفون ، وإلين ، وحكمت ، ونعيمة .، توفى عام 1956م... يتبع

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد