منذ أن تولى اليمين المتطرف في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو سدة الحكم والأصوات الفلسطينية  تصرخ وتولول بأن هذه الحكومة ستدمر كل الآمال المتاحة لإحلال تسوية للقضية الفلسطينية وسيكون لها تأثير كارثي على مجمل الواقع السياسي وطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويدعي المولولون بأن هذه الحكومة ستقدم خصوصاً بعد تولي اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان حقيبة الدفاع في هذه الحكومة على خطوات متطرفة جداً من شأنها قتل كافة الأفق التي قد تكون متاحة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

بنظرة متأنية للوضع السياسي القائم في منطقة الشرق الأوسط ووضع العالم العربي والوضع الفلسطيني نجد أن المعضلة الحقيقية والموضوعية ليس في من يحكم دولة الاحتلال بل في صورة وضعنا السياسي العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص!

ولو تتبعنا الحكومات الصهيونية التي قادت دولة الاحتلال منذ تأسيسها والشخصيات التي قادت هذه الحكومات المتعاقبة يتضح أنه لم يكن هناك أي اختلاف جوهري حقيقي في نظرة كل هذه الحكومات والشخصيات تجاه القضية الفلسطينية ، فجميع هذه الشخصيات التي قادت دولة الاحتلال منذ تأسيسها وحتى يومنا الحاضر سارت على النهج نفسه ، وسعت بكل ما لديها من قوة  لتكريس وجود الدولة وتثبيتها على الخارطة الأممية كدولة للشعب اليهودي بكل السبل والوسائل ... تكريس دولتهم كدولة حاضرة وقوية ومهيمنة على كل منطقة الشرق الأوسط  سياسياً واقتصادياً تتمتع بسيادة تسلطية قمعية وتملك عامل الردع الدائم والمتسلط حتى لو كان تحقيق كل هذه الأهداف يأتي على حساب شعب آخر أقتلع من أرضه وقذف به في مهاوي اللجوء والتشرد وهو الشعب الفلسطيني صاحب الوطن والحق والمالك الحقيقي والتاريخي والشرعي لأرض فلسطين، ولم يكن لهذه القيادة الصهيونية دون استثناء منذ تأسيس الدولة أي توقف أو وقفة تأمل أو تأنيب للضمير تجاه ما حل ويحل وسيحل بالشعب الفلسطيني، فقد دأبت هذه القيادة بصورة متواترة متتالية على تنفيذ سياسات التكريس والتسلط والهيمنة والردع والغطرسة ليس على فلسطين وشعبها فحسب بل وعلى العرب بقدهم وقديدهم، هذه الهيمنة والتسلط  وصلت في معظم الأحيان إلى درجة إرهاب الدولة من خلال شن الحروب وقتل الأبرياء والاغتيالات واحتلال الأرض الفلسطينية والعربية والكثير والكثير من الجرائم التي تصل لدرجة الجرائم ضد الإنسانية، والمصيبة أن  هذه القيادات لم تابه بالمواثيق الدولية وبالقرارات الأممية وضربت بعرض الحائط بالشرعية الدولية وبإرادة المجتمع الدولي على الرغم من زعمها الدائم والمستمر بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والصائنة الوحيدة لحقوق الإنسان في المنطقة برمتها.

من المؤكد أن زعم والاعتقاد بأن الحكومات الصهيونية وشخوصها ومن يقودها هو من يحدد طبيعة وصورة وشكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو زعم خاطئ وتقدير غير صحيح، فلا يجوز بحال أن نضع كل تداعيات القضية الفلسطينية والصراع على شماعة وجود حكومة يمينية متطرفة تقودها شخصيات متطرفة جداً بحجم نتنياهو وليبرمان وبينت والأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة الأخرى، والخطأ الأكبر هو قيامنا بتصنيف الحكومات الصهيونية كحكومات حمائم تارة وكحكومات صقور تارة أخرى ، فهذا الادعاء مردود عليه بسؤال منطقي : هل جاءت حكومة صهيونية واحدة سواء ممن صنفت كحمائم أو كصقور منذ تأسيس دولة إسرائيل اتسمت بالموضوعية والواقعية وسعت لإحلال السلام والعادل والشامل مع الشعب الفلسطيني؟!! وهل قامت حكومة صهيونية واحدة بالإعلان أو حتى مجرد الإعلان عن إقرارها بالحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني؟!! وهل أعادت أي حكومة صهيونية بعد 68سنة من قيام دولة الاحتلال أي حق للشعب الفلسطيني؟!! وهل تخلت أي حكومة صهيونية عن الأطماع المعلنة وغير المعلنة للحركة الصهيونية بالاستيلاء على فلسطين كل فلسطين وتفريغها من شعبها قسراً أو طوعاً؟!!

الإجابة على الأسئلة السابقة واضح وجلي وهو النفي الكامل والتام والشامل، فلم تكن هناك حكومة صهيونية واحدة مدت يدها للسلام بصورة صادقة وعادلة وكانت دوماً سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب الفلسطيني واقترفت ضده جرائم ترتقي لجرائم ضد الإنسانية.

بناء على ما سبق أنا أعتقد أن الولولة والخشية والصراخ لوصول نتنياهو وليبرمان لسدة الحكم بالصورة الموجودة حالياً على الساحة السياسية الفلسطينية ليس له أساس من الصحة وغير مبرر على الإطلاق، وأرى أن الأهم بل والأهم بكثير من هذا الوهم هو التحول لمسألة أهم بكثير وهي ما آلت إليه الأوضاع العربية من تشتت وحروب وتفكك وصراعات وانقسامات، وأثرها على القضية الفلسطينية وطبيعة الصراع، وهل ضياع الغطاء العربي للقضية الفلسطينية حتى وإن كان طيلة الوقت السابق ضعيفاً ومتراخياً سيؤثر على صورة وشكل الصراع مع دولة الكيان؟!

أما المسألة الثانية الأخطر والأشد عمقاً وتأثيراً على القضية الفلسطينية فهو الانقسام .. نعم فالانقسام يشكل بكل وضوح وتجرد الضربة القاتلة والمميتة للقضية برمتها، ليس ليبرمان ونتنياهو من يشكلون خطراً على قضيتنا بل الانقسام الذي بات يشكل خطراً على كل ثوابتنا، وللعلم فإن جميع أشكال التدهور التي شهدتها القضية الفلسطينية كانت نتيجة مباشرة للانقسام الذي كانت له ولا زالت نتائج تدميرية كارثية على القضية الفلسطينية.

وبناء عليه فإن التوجه فوراً لإيجاد حلول ناجعة وعملية لإنهاء الانقسام هو المسألة الأكثر إلحاحاً وضرورية، أكرر قائلاً علينا كمفكرين وكمحللين وكمثقفين وكباحثين السعي الدءوب لوضع مسارات حقيقية نحو إنهاء الانقسام من خلال رفد الطبقة السياسية بمقترحات خلاقة لحلول إبداعية تنهي الانقسام وتدرأ عنا مخاطر جسيمة لا يعلم حجم خطورتها إلا الله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد