ربما كان مفاجئاً للكثيرين أن يتم ذكر الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على لسان أهم القادة في العالم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي انعقد الأسبوع الماضي، وكانت الدعوة للتسوية السياسية وانهاء الصراع أشبه بضريبة كلامية لا تستوجب اي فعل حقيقي من قبل الداعين. فذكر الموضوع وإن كان يعني أهميته وحيويته لا يكفي إذا لم تترجم الأقوال والدعوات إلى قرارات وإرادة فعلية للعمل على اغلاق هذا الملف. وهذا لم يحدث، وكنا حاضرين قولاً وغائبين فعلاً.
الولايات المتحدة الأميركية على لسان الرئيس باراك أوباما لم تقل الكثير بل كان خطاب الرئيس الأميركي محاولة بائسة للظهور بمظهر المتوازن عندما طالب الفلسطينيين بوقف التحريض وطالب الإسرائيليين بوقف الاستيطان وكأن الفعلين متساويان، وكأنه لا يوجد احتلال هو السبب ليس فقط في لغة التحريض القائمة لدى الجانبين في وسائل الإعلام مع وجود فارق وهو أن المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني لا يحرض على عكس ما يفعله وزراء وقادة إسرائيليون، بل وكذلك في العنف القائم الذي لا ينتهي والمرشح للتصعيد.
ربما كان أوباما محبطاً، وهو كذلك على الأغلب، من هذا الملف ولكن يمكن هنا لوم الإدارة الأميركية التي استفردت به ولم تفعل ما هو مطلوب على الرغم من الجهود الكثيرة التي بذلت والتي كانت أقرب إلى التبشير والرجاء منها إلى الدفع باتجاه احداث اختراق حقيقي في عملية التسوية، كما حصل على سبيل المثال في الملف النووي الإيراني، وكما يحدث الآن في الملف السوري على الرغم من وجود مشكلات كبيرة ومعقدة وتداخلات كثيرة فيه. ولعل ما صرح به جون كيري وزير الخارجية قبل ثلاثة ايام بقوله أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يتجهان نحو دولة واحدة ونحو الحرب وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك لمنع ذلك أو أن يخرس، هو أصدق تعبير عن حالة الإحباط التي تعاني منها إدارة الرئيس أوباما وعن قلة الحيلة أو العزوف عن القيام بأي شيء. وبطبيعة الحال لا أحد يتوقع أن تقوم الإدارة الأميركية بأي خطوة قد تضر بنتائج الانتخابات خاصة في المساس بفرص مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. ولكن التسريبات والتوقعات أن يقوم الرئيس أوباما بخطوة ذات مغزى بعد الانتخابات وفي الفترة الانتقالية قبل تسليم الرئيس الجديد لا يبدو أنها جدية أو واقعية.
أما إسرائيل فكانت قصة أخرى في الأمم المتحدة، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تصرف كممثل مبتدئ ولم يقل شيئاً سوى أن إسرائيل دولة عظمى وعلى العالم أن يسلم بالاحتلال ويلتحق بالنادي وبالفرص التي توفرها هذه الدولة، ومن ينتقد إسرائيل سيخسر في النهاية. والاستيطان من وجهة نظره ليس المشكلة، بل المشكلة التحريض الفلسطيني الذي يبدأ بالرئيس أبو مازن وأعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح". ومع أن إسرائيل تريد حل الدولتين فالاستيطان ليس عائقاً!! فلماذا تسمع بعض الدولة انتقاداتها لإسرائيل وتصوت ضدها في الجمعية العامة، عندما بعض الدول العربية تخطب ودها أو تسعى للتحالف معها. ويبشر نتنياهو بمفاجآت في ملف العلاقات مع العرب والإقليم، ولا توجد مشكلة سوى مع إيران التي تتعهد إسرائيل بمنعها من امتلاك القنبلة النووية بكل الوسائل. ولا يبدو أن إسرائيل على عجلة من أمرها، فالأمور جيدة وتحت السيطرة ومكانة إسرائيل في تحسن مستمر.
الخطاب الفلسطيني والعربي كان ضعيفاً بدرجة خاصة، وكلمة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في الجمعية العمومية كانت محاولة لتذكير العالم بالمأساة الفلسطينية وبالمسؤولية عما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم بدءاً من وعد بلفور الذي تتحمل بريطانيا المسؤولية التاريخية عنه ونحن بصدد ملاحقتها، وحتى الوضع القائم الذي تستمر فيه إسرائيل باستيطانها وأفعالها القمعية التي تشمل عمليات الإعدام الميدانية للشبان الفلسطينيين. وعدا عن المطالبة بأن يكون عام 2017 عام التخلص من الاحتلال لم تتضمن الكلمة مبادرة محددة أو أفكارا وخطوات عملية يمكن أن تطلب من المجتمع الدولي. فهي كانت مشدودة أكثر نحو الماضي ولا تعالج الحاضر والمستقبل، ومن الواضح كذلك غياب التنسيق العربي- الفلسطيني.
انتهت الاحتفالات السنوية باجتماع الجمعية العامة ولكن هذه المرة لم يسجل فيها انجاز يذكر. وما ميز الاجتماع هو تبادل الاتهامات والانتقادات الدولية، وهذه المرة برزت أكثر التكتلات الدولية والصراع بين موسكو وواشنطن وخاصة حول الملف السوري، وقد يترب على قوة وحضور الموقف الروسي تغيرات جدية على الملف السوري خصوصاً وأن التصريحات والمواقف الروسية واكبها تصعيد فعلي على الأرض ومحاولة لحسم المعركة في منطقة حلب. وبدون شك فأي تقدم في تسوية الصراع الدائر في سورية سينعكس إيجاباً على الملفات الأخرى وخاصة الملف الفلسطيني، ولكن على الفلسطينيين أن يقوموا بواجباتهم البيتية حتى يشجعوا العالم على التحرك، وإلا فإننا سنخلص إلى قول كيري فليخرس المجتمع الدولي ويتفرج على ما يحدث لنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية