رغم مرور ثلاثة عقود على تأسيس حركة حماس ، إلا انه لم يسجل في تاريخ الحركة، أنه جرت داخلها، أو عنها انشقاقات سياسية، أو أنه خرجت منها مجموعة أو مجموعات لتشكل فصائل أو جبهات، حركات أو أحزاباً سياسية أخرى، مع ذلك لا يمكن القول، بأنه لم يسجل وجود خلافات أو حتى صراعات سياسية داخل الحركة، أو انه لا يوجد مثل هذه الخلافات أو الصراعات داخلها الآن.
فالحركة ليست وريثة خلايا إخوانية وحسب، بل هي الفرع الإخواني في فلسطين، وبلغة أدق، هي التنظيم الإخواني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهذا بحد ذاته يجمع عملياً «تناقضاً» فريداً من نوعه، فهو مركب من جهة، أن الخاص الفلسطيني، فرض في وقت متأخر على الإخوان المسلمين، وبالتحديد بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية، أن تمارس مقاومة الاحتلال، بعد عقدين من السنين من احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، لم يقم خلالها ولا قبل ذلك الإخوان المسلمون بأي عمل عدائي ضد إسرائيل أولاً ومن ثم ضد احتلالها، ومن جهة أُخرى، جمع بين علاقة أو حتى ارتباط تنظيمي بأهم تنظيمين للإخوان، نقصد التنظيم المصري والتنظيم الأردني، حيث سجل الأول علاقة تاريخية معادية للنظام الجمهوري، على مدى أربعة عقود (من خمسينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي) فيما سجل التنظيم الأردني توافقاً مع النظام الملكي، منذ توحيد الضفتين، مروراً بأيلول، والى الآن.
وفي الحقيقة لم تكن هناك قيادتان لحماس حين أعلن عن تأسيسها، آخر العام 87، بل كان ينظر إلى الشيخ أحمد ياسين باعتباره مؤسس وقائد الحركة، والذي كان قد رافقه سبعة من قادة العمل الدعوي _ لم يكن من بينهم خالد مشعل ولا موسى أبو مرزوق، المقيمان بخارج فلسطين، ولا حتى إسماعيل هنية المقيم بغزة، رغم أن السبعة المذكورين كانوا جميعاً من سكان قطاع غزة. وكان المكتب السياسي بمثابة هيئة أو لجنة عمل بالخارج، لا صفة قيادية أو حتى سياسية له. 
لكن دور ومكانة وأهمية المكتب السياسي للحركة تزايدت مع اعتقال قادة الحركة على خلفية دورهم في الانتفاضة الأولى، ومن ثم إبعادهم إلى مرج الزهور بلبنان، ثم تواصلت أهمية هذا المكتب التنظيمي، بل تعاظمت مع الاستمرار في اعتقال الشيخ ياسين والقائد عبد العزيز الرنتيسي، لكن أحداً مع ذلك لم ينظر للمكتب السياسي حتى اغتيال كل من ياسين وخليفته الرنتيسي، خلال أقل من شهر، حيث تم اغتيال الياسين في 22 آذار 2004 والرنتيسي في 17 نيسان، ما جعل الحركة تمتنع عن الإعلان عن خليفة الرنتيسي كرئيس للحركة، وكان المتوقع أن يكون محمود الزهار، خشية من اغتياله هو أيضا.
هذا ساهم بدوره في ظهور المكتب التنظيمي بالخارج بمظهر قائد الحركة، إضافة إلى أن سياسة الحركة أولا باعتماد التنظيم العنقودي وليس الهرمي، كذلك الفصل بين الجناح العسكري والسياسي، للتغلب على ظروف الاعتقال، ولمواجهة ظروف العمل السياسي في ظل الاحتلال العسكري، لكنه في الوقت ذاته، اخضع ليس فقط سياسة الحركة، بل علاقاتها الداخلية لما يسمى بقوة أو سطوة أو حتى تأثير المال السياسي، فقد شهدت الفترة منذ ما بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، إلى العام 2011 تحالف الحركة مع إيران / سورية / حزب الله، أو ما يسمى بمحور المقاومة أو الممانعة الإقليمي، وهذا عزز من قوة المكتب السياسي بالخارج.
ليس هناك من أخلاق دينية أو فكرية / إيديولوجية تتحكم بتشكيل الهيئات القيادية للحركة، خاصة مجلس الشورى والمكتب السياسي، ولا يمكن لأحد أن يدعي، رغم الجماعية القيادية للحركة، وفق ثقافة الإخوان عموما، أنها حركة تسير على قواعد الديمقراطية الداخلية. فانتخاب رئيس المكتب السياسي ونائبه، وممثلي الحركة في الأقاليم، أو أية صفات أخرى، لا يتم من خلال صناديق الاقتراع من الهيئات القاعدية، بل وفق منطق الشورى الداخلية، فلا تجري انتخابات مترافقة مع ترشيحات أو ما إلى ذلك!
خلال ثلاثة عقود لم يتول رئاسة المكتب السياسي سوى رجلين : هما موسى أبو مرزوق وخالد مشعل، في حين تولى صفة رئيس الحركة احمد ياسين ومن ثم عبد العزيز الرنتيسي، كما أشرنا . أبو مرزوق انتخب كأول رئيس للمكتب السياسي عام 1992، وحين اعتقل في أميركا حل مكانه خالد مشعل بشكل مؤقت أولا ثم بشكل رسمي منذ عام 1996، وتمت ترضية أبو مرزوق حين خرج عام 1997 بمنصب نائب رئيس المكتب السياسي .
عاد الصراع أو التنافس مجدداً بين قادتي الخارج ( المكتب السياسي ) والداخل بعد تولي إسماعيل هنية، الذي ظل يحرص على تقديم نفسه كوريث لخط احمد ياسين الذي كان هو مدير مكتبه، خاصة بعد ظهور امتيازات حكم حماس في غزة، واقتصاد الأنفاق، واضطرار حماس لتغيير تحالفها الإقليمي من الممانعة لمحور قطر / الإخوان / تركيا، وهكذا اضطر خالد مشعل عرّاب تحالف حماس مع الممانعة لأن يضحي بابو مرزوق عام 2013، مع ذهابه لغزة وتوافقه مع هنية على أن يكون هنية نائبا له كرئيس للمكتب السياسي . 
خالد مشعل يكون بذلك رئيسا للمكتب السياسي لمدة عشرين عاما متواصلة، فليس صحيحا أن لوائح الحركة التي تنص على عدم تولي شخص ولايتين متتاليتين هي السبب فيما يشاع عن احتمال تولي هنية للمنصب، بل الحراك الإقليمي، الذي يدفع بان تعود حماس من حيث نشأت، أي إلى المجمع الإسلامي، ومحاولة الفصل بين حماس كحزب حاكم في غزة وحماس كحركة مقاومة في الضفة الغربية، وكل ذلك للتوافق مع سياق الدفع بغزة كدولة فلسطينية، ليست مضطرة لاستمرار الشراكة في المصير والمستقبل مع الضفة الغربية و القدس !

Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد