شهدت الساحة الفلسطينية منذ فترة زمنية طويلة و خاصة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 على خلفية اتفاق اوسلو حالة الاستقطاب الشديد بين حركتي فتح و حماس ، و بسبب عدم الاتفاق على أسس الشراكة الاساسية و طبيعة و بنية النظام السياسي و التعامل مع السلطة كمصدر للنفوذ و السيطرة و نتيجة اختلاف الرؤى و البرامج السياسية و الانشداد الى لغة المصالح الفئوية و اسباب اخرى لها علاقة بالتحالفات الاقليمية و الدولية و الرهان عليها بدلا من الرهان على البيت الداخلي فقد أدى الاستقطاب الحاد الى حالة من الاحتقان و التوتر ثم الانقسام الذي حصل في حزيران 2007، و ما زلنا نعيش تبعاته السلبية على المستويات السياسية و التنموية و الحقوقية حتى هذه اللحظة.
ان النظرة لطبيعة الانظمة السياسية التي يهيمن عليها قوتين رئيسيتين دون وجود طرف ثالث تشير الى تكلس الحياة السياسية و عدم ديناميتها و ارتهانها الى هاتين القوتين و اللتان تتفقان احيانا رغم الخلافات الحادة بينهما و لكن على أسس تضمن مصالح الطرفين (المحاصصة) دون النظر بعناية لمصالح الفئات الاجتماعية المتضررة و الى أهمية إعادة إحياء الخيار الديمقراطي التنموي المناسب للمجتمع و بالمقابل فإن الأنظمة السياسية التي تشهد حالة من التعددية الحزبية نجد بها حالة تتسم بالحيوية و النشاط بعيدا عن احتكار صناعة القرار بين قوتين نافذتين حيث تتبدل التحالفات و تتغير و تنشأ أحزاب جديدة و تتفكك بعض الاحزاب القديمة وذلك بالاستناد الى التحولات الفكرية و المجتمعية في المجتمع.
و عليه فإن بروز أفق ثالث في المجتمع بما يساهم في تخفيف الاحتقان و يعمل على تقدم المقترحات و الاليات الرامية الى إعادة صياغة النظام السياسي على اسس وحدوية و تشاركية و غير إقصائية حيث سيكون لهذا القطب الثالث قدرة اذا ما عزز من نفوذه على معالجة تداعيات المشكلات الناتجة عن الانقسام الى جانب مساهمته في اعادة بلورة المسار الوطني على قاعدة موحدة بما اننا ما زلنا نمر في مرحلة تحرر وطني و ديمقراطي.
جرت عدة محاولات منذ التسعينات و ربما قبلها باتجاه تأسيس هذا التيار الا ان جميع هذه المحاولات لم تنجح للعديد من الاسباب، اهمها الانشداد الى الفئوية و الارث التاريخي التنافسي و تفضيل الذات على حساب الاخر الى جانب الانشداد الى السلطة بما تحويه من مصالح و امتيازات على حساب العمل الجماعي المبني على مصالح و حقوق الفقراء و المهمشين و الضعفاء علما بأن الاقتراب من السلطة و الاندماج في مكوناتها في أي مجتمع يعني التموضع في بنية نخبوية لها اشتراكاتها و محدداتها السياسية بما يضعف من هامش الاستقلالية في اتخاذ القرار بعيدا عنها خاصة اذا ادركنا ان هي التي توفر الاموال بما يترتب على ذلك من التأثير بالقرار أمام معيقات تحقيق التيار الديمقراطي المكون من القوى السياسية (الديمقراطية)و القوى المجتمعية و الشخصيات المستقلة الى ان قرار هذه القوى مؤخرا بتشكيل التحالف الديمقراطي للمنافسة بانتخابات البلديات في هذا العام على ضوء قرار الحكومة الفلسطينية و انه يشكل خطوة عملية متقدمة قد يساعد انجاحها في تعزيز القناعة بضرورة السير بهذا المسار باتجاه تنميته و تكويره و تقوميه ليصبح أحد المكونات الرئيسية بالمجتمع الفلسطيني الى جانب حركتي فتح و حماس.
من هنا فإن تأسيس التحالف في الوقت الذي له أهمية بالمنافسة الانتخابية له مدلولات أكثر عملية و منهجية تكمن بتشكيل مسار جديد سيساهم بالضرورة في معالجة العديد من الازمات الداخلية و الخارجية بعقلية ديمقراطية كبنية على احترام التعددية و الشراكة و تجنب الاقصاء وب اتجاه يرمي الى تحقيق الدولة المدنية و الديمقراطية الحديثة.
ان التصويت للتحالف الديمقراطي بالانتخابات البلدية بصورة ايجابية سيساهم في تفكيك السيطرة على القرار الفلسطيني الذي ما زالت تتحكم به قوتين فقط دون مراعاة اراء قطب ثالث يعكس بالضرورة مصالح فئات اجتماعية واسعة بالمجتمع من الاغلبية الصامتة و الشباب و المرأة و المثقفين و غيرهم.
و عليه فإن تأسيس هذا التحالف بالوقت الذي هو ضرورة مجتمعية و فكرية فإنه يشكل في نفس الوقت ضرورة باتجاه صيانة النظام السياسي و تعزيز مقومات السلم الاهلي و المجتمعي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية