أظن - وإن بعض الظن إثم - أن الانتخابات المحلية التي من المقرر أن تجري في شهر تشرين الأول القادم _ هذا إن جرت كما يجب وعلى خير ما يرام _ ستكون الانتخابات المحلية الموحدة للوطن الفلسطيني، الأخيرة. 
هذا التقدير ليس ناجماً عن تشاؤم أو سوء تقدير أو ما إلى ذلك، بل استناداً إلى حركة السياسة إن كانت على المستوى الداخلي أو الإقليمي، فعلى الصعيد الداخلي يبدو أن إجراء الانتخابات المحلية على مستوى الوطن، وفي وقت واحد، يعّوض عن فشل النخبة السياسية الفلسطينية القائدة والمسؤولة عن إجراء الانتخابات السياسية (التشريعية والرئاسية) التي من شأنها توحيد الوطن المنقسم بين جناحيه: الضفة و غزة ، وفي ذلك إشارة معنوية، تشغل الفلسطينيين وقتاً عن حديث المصالحة وإنهاء الانقسام، حتى العام القادم، حيث يبدو أن م.ت.ف في طريقها للتلاشي، بعد العجز عن عقد دورة المجلس الوطني التي كانت مقررة له قبل أكثر من عام، وبعد حالة التفكك والترهل التي أصابت مؤسسات المنظمة، بما في ذلك فصائل العمل الوطني التي تقودها وتشكلها، وفي مقدمتها «فتح»، التي بدورها تبدو عاجزة عن عقد مؤتمرها السابع لنفس الأسباب. 
كذلك فإنه من غير المتوقع أن تسلم قيادة الكل الفلسطيني لحركة إسلامية واحدة، « حماس » أو «التحرير» على سبيل المثال. فقد أثبتت شواهد المحيط بأن الجماعات الإسلامية تجزئ وتشتت وتقسم الأوطان أكثر مما توحدها، وإن كانت تحمل عقيدة ذات طابع عابر للأوطان، إلا أنه حتى شعار القاعدة أو «داعش»، حاول إقامة ولايات هنا وهناك، ولم يوحد أقطاراً، فضلاً عن أنها كلها ونقصد هنا مشاريع إقامة الكيانات أو السلطات السياسية/الإسلامية محكوم عليها بالفشل، كما هو الحال في غزة، حيث حكم «حماس» فيها مضطر للاختيار بين عدة خيارات: إما الانضواء تحت حكم تركيا أو قطر أو حتى مصر، أو انتظار أن يشكل دولة مستقلة ضمن صفقة ما مع إسرائيل تكون بديلاً عن دولة غزة والضفة و القدس ، أو أن يرضخ ويقبل بالعودة لحكم «فتح». 
وهنا كلما فكرت «حماس» بهذا وجدت من يقدم لها القشة التي تعيدها إلى مربع الانقسام.. وكما سبق وحدث في مصر وتونس، تماماً كما كان حال حزب البعث الذي رفع شعار الوحدة العربية وحين استلم السلطة في بلدين متجاورين، هما العراق وسورية، أقام النظام القطري، بل وكانا في حالة عداء تشير إلى أنهما ورثا إرث دولتي بني أمية وبني العباس، ولكن في البلدين المتعاكسين، حيث حكمت أقلية السنة العراق وأقلية الشيعة / العلوية سورية! 
أكثر من ذلك، فإن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في عامي 2005 _ 2006 على التوالي، ظل أو بقي حتى اللحظة، أي بعد أكثر من عشر سنوات، يمثل الانتخابات الأخيرة، وليس هناك أي إشارة في الأفق تشير إلى عكس ذلك، بل إن حركتي «فتح» و»حماس» توافقتا تماماً على عدم إجراء تلك الانتخابات، وأكدتا حالة واقعية لها أبعاد اقتصادية/اجتماعية وجغرافية بالطبع، حالة الانقسام الطبيعي والمتوارث ما بين الضفة وغزة، ولم تفعل لا السلطة ولا المنظمة ولا الفصائل كلها، أي خطوة عملية من أجل تجاوز حالة الانقسام القائمة، قبل الإعلان السياسي عنها عام 2007. 
أما على الصعيد الإقليمي، فإن كل الشواهد تؤكد أن المعارك والحروب الدائرة تقوم بتفتيت الدول والأقطار العربية، وهي على عكس ما هو مشاع، لا توحد بالمقابل الطوائف أو الإثنيات، بل سيظل السنة موزعين على عدة دول حتى لا تقوم لهم دولة واحدة قوية، والشيعة لن يتوحدوا في دولة (إيران موسعة) وذلك لأن هناك حواجز القومية واللغة بين الشيعة العرب والفرس وغيرهم، وحتى الأكراد، الذين نجحوا بإقامة دولة كردية في العراق وفي طريقهم لإقامة أخرى في سورية، لن يسمح لهم القيام بعد ذلك بتوحيد الدولتين في واحدة، حتى لا تقوى مطالبتها بضم الأجزاء الكردية في إيران وتركيا. 
جلّ ما يمكن أن ينجم عن الانتخابات المحلية، إن جرت بنجاح ووصلت إلى خط النهاية كما يجب، هو أن تقرر القيادة السياسية قبل أن تتلاشى، اعتبار المجالس المحلية باعتبارها منتخبة من قبل ناخبي الوطن الفلسطيني كله: غزة والضفة والقدس، بمثابة مؤتمر وطني عام، يقوم بدوره بانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي بدوره يقوم بإعادة بناء الهيكل السياسي للنظام السياسي الفلسطيني، وإعلانه كحكم ذاتي تحت الاحتلال الإسرائيلي، وممثلاً للشعب الفلسطيني في داخل الوطن، وذلك بهدف الالتفاف أو الاحتيال على الفيتو الإسرائيلي أولاً بتعطيل إجراء الانتخابات العامة التي من شأنها توحيد الوطن سياسياً، وعلى العجز الداخلي بإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الداخلية، وإن لم تقم الذات الوطنية بمثل هذه المبادرة أو بغيرها، أي باستلام زمام المبادرة، فإنه عليها أن تتوقع أن يظل الآخرون يقومون بترتيب الأمور الفلسطينية وفق مصالحهم وأهوائهم!
لا أحد يدري ما ستكون عليه صورة الإقليم بعد 4 أو 5 سنوات من الآن، لذا فإن التقدير أو التعامل مع هذه الانتخابات على أنها الانتخابات الأخيرة، يعني أن نتصرف على أنها الفرصة الأخيرة، للوحدة والانعتاق من ربقة الاحتلال الإسرائيلي، أما غير ذلك، فيعني الاستمرار في إثارة الأوهام، المتشكلة من خارج دوائر الواقع المتحرك والمتغير بشكل يوازي سرعة الضوء، وإذا كانوا يقولون إن من الحب ما قتل، فإننا نقول إن كل التوهم وجلّ الأوهام ما يقتل! 

Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد