عندما تولّى الشهيد الراحل ياسر عرفات رئاسة منظمة التحرير لم يكن عمره حينها قد تجاوز نهاية الثلاثينات... قاد الثورة بنجاح، وكان بجواره أعضاء في اللجنة التنفيذية للمنظمة في العشرينات من أعمارهم. روح الشباب ونشاطهم أديا إلى تدفق الدماء في عروق منظمة التحرير ومؤسساتها في ذلك الوقت...
تشير نظرة متفحصة إلى القادة والشهداء الذين كانوا في مراكز صنع القرار خلال سنوات الثورة الأولى، إلى أن معدلات أعمارهم كانت في الثلاثينات تقريباً.
اليوم معدل أعمار أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة تزيد على السبعين عاماً. وبعضهم في نهاية الثمانينات، أدام الله أعمارهم... ولكن لنا الحق في التشكيك بقدرات البعض ممن لا يستطيع حتى السير!! أما قادة الفصائل الوطنية والإسلامية فلا يوجد فيهم من الجيل الشباب إلاّ ما ندر!
اليوم، وفي معظم المؤسسات الحكومية والأهلية والقطاع الخاص لم نعد نشاهد عنصر الشباب ضمن الصف الأول أو الثاني أو حتى العاشر، ولهذا أصبحت طاقة الشباب معطّلة تماماً.
في الجامعات الفلسطينية في نهاية سبعينيات وثمانينيات وحتى بداية تسعينيات القرن الماضي، حمل الشباب على كواهلهم المسؤولية النضالية والوطنية، فكان طلبة الجامعات هم رأس الحربة في العمل الوطني، وشكلوا قيادات ميدانية فعلية. ولعلّ الانتفاضة الأولى شاهد على عنصر الشباب القيادي ودور الكتل الطلابية الجامعية في إشعال وقود الانتفاضة ومواجهة الاحتلال... حتى أن قيادة منظمة التحرير في الخارج لم تكن في لحظة ما لتتجاوز تطلعات وقرارات هذه الفئة المتقدمة.
ولكن، ما الذي قلب الموازين وعطّل دور الشباب الحقيقي، الذي يعاني نصفه من البطالة، وخاصة خريجي الجامعات الذين توضح الإحصاءات الرسمية أن نسبة المتعطلين منهم بلغت 40%، أما المؤشرات على الأرض فتشير إلى رقم أكبر من ذلك! الإجابة تكمن في شهوة السلطة، بحيث إن من يجلس على «الكرسي» لا يرغب في مغادرته إلاّ محمولاً إلى القبر. والأخطر من ذلك أن مشجعي السلطة بمفهومها العام، تسببوا، أيضاً، في خراب التجمعات الشبابية ابتداءً من المدارس الثانوية وليس انتهاءً بالجامعات.
اليوم إذا ما دقّقنا النظر في الحركة الطلابية في مؤسسات التعليم العالي، فإننا نلاحظ سيطرة السياسي المتنفذ على هذا القطاع. الذي أصبح متلقياً للأوامر، تابعاً للفصائل والقوى، وغير قادرٍ على الفعل، وكل ما يطلبه ربما فرصة عمل شبه مضمونة بعد التخرج.
الشباب المتعطّل قسراً، والذي أصيب بحالات إحباط من الدرجة الأولى، لم تعد اهتماماته تصب كثيراً في مجرى السياسة أو التعبئة الوطنية، بقدر ما أن كل شاب مهتم بمستقبل أصبح في كثير من الأحيان يشوبه الغموض.
تجاهل الشباب لا يعني بالمطلق نزع قدراته الكامنة، بقدر ما يشكله ذلك من خطر داهم، إن لم يكن غداً فربما بعد عام أو عامين أو أكثر... ولكن هذا الضغط من المؤكد أنه سيؤدي إلى انفجار حتمي، مع ظهور إشكاليات كثيرة تنعكس سلباً على المجتمع.
السؤال: لماذا لا نفكر ربما بـ»كوتة» للشباب في الوظائف، ومراكز صنع القرار، والمشاركة في الانتخابات بتمثيل حقيقي. ربما يساعد هذا ولو جزئياً في حل إشكاليات كثيرة.
تجربة الكوتة النسوية في الانتخابات التشريعية أو المحلية أثمرت ولو بقدر ضئيل، حيث وصلت المرأة إلى مراكز صنع القرار رغم إصرار البعض على تهميشها. واليوم نحن بحاجة إلى أن نرى شبابنا قادة في فصائلهم ومؤسساتهم وخلق وظائف لحماية مستقبلهم. دون ذلك فالنتائج وخيمة.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد