الدورة السابعة والعشرون للقمة العربية التي انعقدت أوائل هذا الأسبوع في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ربما كانت الشاهد الأبرز على حال الأمة العربية. ابتداءً من التحضيرات التي سبقت القمة من اجتماع المندوبين الدائمين في الجامعة العربية إلى اجتماع وزراء الخارجية، فالقمة، لم تحظ كلها بالحدّ الأدنى من الاهتمام السياسي أو الإعلامي وكتحصيلٍ حاصل الشعبي.
قد غاب عن القمة كل الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ ما عدا، أربعة نصفهم وهم اليمني عبد ربه منصور هادي، والبشير هم أصحاب أزمات، ولديهم ما يرجونه من القمة، لكنهم ليسوا الوحيدين الذين تعاني بلدانهم من أزمات، ولهم ما يتطلعون لتحقيقه من قمة عربية.
موريتانيا التي تقع في أقصى الوطن العربي، على حافة المحيط الأطلسي، لا مشكلات رئيسية لها في العلاقة مع بقية الدول العربية، خصوصاً المركزية، ويكاد اثر سياستها يغيب عن الملفات الأساسية التي تعاني منها بقية الدول العربية، الأمر الذي يجعل من غياب الزعماء أمرا له علاقة بتقييم دور القمة أساساً وليس للتعبير عن موقف من الدولة الموريتانية.
من الواضح أن العلاقات الثنائية، والتحالفات المحورية العربية والإقليمية قد حلت بديلاً عن القمم العربية وحتى وقبل ذلك عن الجامعة العربية، التي بالكاد قادرة على التفكير بوجودها بعد الغياب التام لدورها في الحياة السياسية العربية.
مشهد القمة كان محزنا، باهتا، ويدعو للأسى والحسرة على أمة غير قادرة على لملمة صفوفها ولو بالحد الأدنى من التوافق والعمل رغم أن الكل يحتاج إلى الكل، لكن الكل ممزق لم يعد يجد في الحالة العربية ما يسعفه على الحصول على ما قد يحتاجه في ظل العواصف التي تضرب المنطقة بأسرها.
الأكثرية من الدول العربية، أخذت تسعى وراء العلاقة مع طرف أجنبي أو أكثر، وبعضها ذهب إلى حد البحث عن علاقة مع إسرائيل، التي يتأكد دورها المركزي باعتبارها البلطجي والمقاول الذي يلجأ إليه المحتاجون.
يلفت النظر في هذا الاطار الزيارة المعلنة التي قام بها اللواء المتقاعد، السعودي أنور عشقي، لإسرائيل، وما صدر عنه بعد ذلك من تصريحات. معروف أن السعودية تحرم أي زيارة أو اتصال لمواطن أو مسؤول سابق أو فاعل مع إسرائيل والإسرائيليين، ما يعني أن زيارة عشقي تنطوي على أبعاد سياسية، ستتضح معالمها في قادم الأيام.
إسرائيل تستثمر الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، وتتطلع لأن تفرض على العرب الخائفين من المد الإيراني، بأن يتجاوزوا مبادرتهم للسلام، أو أن يعيدوا النظر في بعض مفاصلها، خصوصاً قبولهم بالتطبيع قبل أن يعرفوا الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه مقابل ذلك.
في كل الحالات، تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها، وما لا يدركه العرب، أو لا يريدون إدراكه أنهم سيقدمون لإسرائيل ما تريده، بدون أن يحصلوا على أي تغيير في سياستها تجاه فلسطين والقضية الفلسطينية.
في مثل هذا الوضع العربي المتردّي أكثر فأكثر، فإن عدم انعقاد القمم العربية أفضل من انعقادها، لأن انعقادها بالشكل الذي حصل، يخلق المزيد من الاحباط واليأس، ويقدم رسالة للآخرين تجعلهم يستهترون بالأمة العربية أو ما ومن تبقى منها.
كان غياب الرئيس محمود عباس ، ربما من أبرز الإشارات على ضعف القمة، وعدم جدوى انعقادها، ذلك أنه معروف بأنه يحرص على التواجد المباشر في كل اجتماع أو لقاء له صلة قريبة أو بعيدة بالقضية الفلسطينية.
المفاجأة كانت في خطاب وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي ، الذي طالب وللمرة الأولى، الدول العربية برفع دعوى على بريطانيا بسبب ما اقترفته من جريمة بحق الفلسطينيين شكلت الأساس فيما يعاني منه الشعب الفلسطيني.
والسؤال هو: لماذا في هذا الوقت؟ هل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو السبب، أم ان مثل هذه الدعوى تشير إلى سياسة جديدة، تنطوي على جرأة عالية؟
في كل الأحوال، فإن أمر هذه الدعوى، يظل مرهوناً بمبادرة عملية فلسطينية، وليس بمبادرة عربية، لن تتحرك كما لم تتحرك مبادرات عديدة تم إيداعها في ذمة الجامعة والجماعة العربية، وإلاّ كانت هذه المبادرة مجرّد موقف إعلامي، وإحالتها للجماعة العربية ليس إلاّ هروبا من المسؤولية. القمة وكل ما يتصل بها تؤكد مرة أخرى ضرورة اعتماد الفلسطينيين أولاً على أنفسهم، ما يوجب سلوكاً غير السلوك الذي نراه إزاء العلاقات الداخلية الفلسطينية بكل عناوينها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد