تحديد مجلس الوزراء موعد إجراء الانتخابات المحلية في الثامن من تشرين الأول القادم، وقيام لجنة الانتخابات المركزية بالتوجه للبدء في الإعداد لمراحل العملية الانتخابية، ونشر قوائم المسجلين ومواعيد الاعتراض وتحديد فترات الترشيح والدعاية الانتخابية، أكسب قرار مجلس الوزراء المصداقية بشكل عام، حيث الذاكرة الانتخابية تطفح بالمواعيد غير المقدسة وتعاني المستويات الرسمية المنتخبة من انتهاء صلاحيتها لأداء مهامها.
لكن، وعلى الرغم من الإمساك ببداية الخيط، إلا أن الإمساك بجميع الخيوط لم يتحقق نظرا لعقدها الصعبة. حيث الأسئلة مشرَّعة على مشاركة قطاع غزة في الانتخابات التي لا زالت في علم الغيب. وما يرشح في الإعلام أو عن مصادر حركة حماس المقررة في شأن القطاع، مروحة من الأسباب تبدأ من تسكين الخواطر من خلال التصريح بأن مشاركة غزة في الانتخابات قيد الدرس في الأطر القيادية للحركة، ومعروف أن المراكز القيادية للحركة موزعة في فضاء جغرافي واسع، وصولاً بالمواقف إلى ربط الانتخابات المحلية بأولوية التقرير وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. 
بمعنى أن حكومة الظل في غزة، لا تريد حتى خلق الانطباع بأنها مقدمة على تقديم أي تنازل، كما لا تريد الإيحاء بأنها جزء من الكل الوطني أو تنضبط لقرارات السلطة الفلسطينية، ومن أجل ذلك تتمسك بشدّ الوتر حتى نهايته، مفرطة في تسييس العملية منعاً لخلق أي انطباع يوحي دخولها إلى بيت الطاعة، على الرغم من اتفاق الجميع على أن الانتخابات المحلية ذات وظيفية خدماتية، والمشاركة فيها تخدم تنمية وازدهار ورفاهية المجتمع المحلي إن كان ثمة رفاهية متاحة. وربما لا بد من المراهنة على قدرتها في تحريك حجر «الدينامو» على رقعة الوحدة الوطنية. 
حركة حماس تجرّ القطاع إلى موقفها السياسي لكونها القوة الحاكمة فعليا في القطاع، غير آبهة بحاجة الناس وحق المواطنين/ات في ممارسة حقهم الانتخابي ومرور حوالى دزينة من السنوات على آخر انتخابات محلية في القطاع بسبب عدم إجراء المرحلة الخامسة من انتخابات عام 2004/2005، وبناء على ذلك فإن بعض المجالس كمجلسيْ مدينة غزة وخان يونس لم يجرِ فيهما أي انتخابات منذ عام 1976. 
أبواب النقاش حول الانتخابات ودروس التجربة السابقة والالتزام باستخلاصاتها سواء ما يتصل باختيار وتشكيل القوائم وفقا لمتطلبات ومواصفات ومعايير اختيار أعضاء وعضوات المجالس، بديلا لإعادة إنتاج ذات المركبات والأدوات والآليات التي سجلنا لبعضها الإنجازات، وعلى بعضها علقنا الإخفاقات.. وجميع مشاكلنا صنع أيادينا وحدنا.
أسئلة التجربة تطرح أيضاً قضية الضم والدمج بين المجالس الصغيرة، حيث يلاحظ ارتفاع عدد المجالس من 378 هيئة إلى 414 هيئة محلية في بعض الأرقام المتداولة، منها خمس وعشرون مجلسا بلدياً في القطاع. والزيادة ناتجة عن فكّ المجالس المشتركة والمدمجة البالغ عددها 36 مجلسا جميعها في الضفة الغربية تعبيراً عن فشل التجربة.
هنا لا بد من وقفة تقييمية أمام تجربة الإدماج وفشلها، ولعل السبب الرئيس في فشل تجربة الدمج وبترها القيم الدخيلة في المجتمع، نوازع السيطرة والهيمنة  للمتنفذ على الأقل نفوذاً، سيطرة المجلس الكبير على الصغير، خدمة لمصالحه وضمان تلبيتها أولا، الأمر الذي أدّى إلى طمس أسماء المجالس المحلية الصغيرة وبدت كمجالس تابعة وليست شريكة. 
في كل الأحوال، قرار الدمج أو إلغائه لم يبن على دراسات تتوخى الاطلاع وفحص الفوائد من خلف التوجه، خاصة من الزاوية الاجتماعية لكون الموضوع اجتماعيا من بعض النواحي وذا صلة بالتقبُّل والتوافق. كما لا بد من رؤية دور العوامل الظرفية الفلسطينية وتطوراتها اللاحقة التي أنشأت الإفراط في التسييس، وإسهام ذات العوامل في نماء النزعات المحلية القبلية بسبب ضعف المركز.
إن من شأن الانتخابات أن تعالج ديمقراطيا المشكلات والتحديات التي برزت في سياق التجربة في الضفة الغربية، وأبرزها ظاهرة الاستنكافات والاستقالات الفردية والجماعية الزائدة عن معدلاتها الطبيعة، لجهة مزيد من التدقيق في تشكيل القوائم وقدرتها المهنية على تعزيز دور المجالس المحلية في تحسين مستوى الخدمات. ومن شأن الانتخابات المحلية كذلك، في حال انخرط قطاع غزة بها، صعود مجالس منتخبة بديلة للمجالس المعينة إجمالا، وربما تسهم ولو بشكل بسيط في فتح صفحة الانقسام بخروج مجالس تمثل المكونات السياسية والاجتماعية، ما يوفر بيئة للتفاعل والعمل المشترك وتزيد من عدد اللاعبين في إصلاح المسار وتوجيهه.
وللحديث بقية في تجربة المرأة في المجالس المحلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد