عندما أستمع إلى القيادات بمختلف ألوانها وأنواعها ومذاهبها الفكرية، أشعر وكأنني أستمع إلى مواطن يجلس في مقهى يتناول الأرجيلة مع كأس شاي ويتحدث مع أصدقائه.. أشعر وكأنني أستمع إلى محلل سياسي أكل عليه الدهر وشرب... أشعر وكأنني أستمع إلى بائعة الصبر والتين أمام سوق الخضار ـ التي أرهقها واقع البلاد ـ تتحدث عن حلول للخروج من الوضع الحالي!! أشعر وكأنني أستمع الى أستاذ يعلم مادة مدخل العلوم السياسية في إحدى الجامعات!! حيث تتناسى القيادات أنها قيادات وصانعة قرار؟! متناسين أنها تمثل الأحزاب والفصائل؟! متناسين بأنهم يمثلون المؤسسات المكونة للنظام السياسي الفلسطيني من منظمة التحرير.. المجلس التشريعي.. متناسين بأنهم قياديون في النقابات والمؤسسات الأهلية.. وأنهم قياديون وليسوا مواطنين عاديين؛ ويجب ألا يكون لسان حالهم كلسان أي مواطن عادي.
أصبحت أصاب بالغثيان كلما استمعت إلى هذه القيادات؛ لأسباب كثيرة؛ أهمها بأن كلامهم عبارة عن طحن الماء دون أي جدوى تذكر على الصعيد الفعلي والعملي وحتى السياساتي، ومن كثرة تكرارهم لما يقولون أصبحنا نحفظه عن ظهر قلب. عندما يتحدثون في المؤتمرات وورش العمل تجدهم في كلماتهم ومداخلاتهم يتحدثون بلغة المواطن، والمبكي أيضاً بأنهم يتفننون بوصف الواقع الذي نعلمه ونعيشه نحن كل دقيقة من زمن الصمود على هذه الأرض، ليتعاملوا معنا كأننا سواح وغرباء دون معرفتهم بأننا حراثو هذه الأرض.
هذه القيادات أصبحت في الوقت الحالي من حيث الفعل أشبه بالمواد العازلة بأنواعها المختلفة: العزل الحراري، العزل الصوتي، العزل الصوتي والحراري، العزل الرطوبي. الهدف من هذا العزل أولاً وأخيراً هو الحفاظ على ذاتهم، وذلك من خلال عزل صوت المجتمع وعدم إيصاله وتمثيله على طاولة صناعة القرار، أو بالعكس تماماً من خلال الاكتفاء بالصمت خلال صناعة القرار وعند خروجهم من الاجتماع يتحدثون بلسان المواطن!! فيتهافتون إلى وسائل الإعلام بتصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحافية وكأنهم تناسوا من هم؟! أو أن خوفهم على ذاتهم ومصالحهم أنساهم من هم وما هي الأدوات التي يمتلكونها من حيث الفعل، متسترين على ذاتهم بالتبرير بأنهم لا حول لهم ولا قوة!!
لنتفق بأن المواد العازلة لا حول لهم ولا قوة، إذن، حان الوقت لإفساح المجال لمن لهم المقدرة والقوة بأن يكونوا مواد موصلة وأن ينقلوا الطاقة الكهربائية من أسفل الهرم إلى أعلاه حتى تضاء الطريق التي علينا مجتمعين أن نسير بها. ان عزل تلك القيادات الحرارة والضغط وغضب الشارع الفلسطيني عن صانع القرار وعدم ممارسة سياسة المصلحة العامة والحفاظ عليها سيؤدي في أي لحظة الى تفجير قد لا نستطيع أن نتحمله أو نتخيله. والمزعج بالأمر بأن تلك القيادات العازلة لا تكتفي فقط بعملية العزل وإنما إحباط كل من يحاول أن يتحول الى موصل حراري "فلزات" ويقوم بنقل حرارة وكهرباء المجتمع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد