احتفالات رام الله بقدوم شهر رمضان الكريم، كان لها دلالات كثيرة وفي غاية الأهمية، تضع في دائرة الشك كل ما يقال عن والتآخي والتساوي في المواطنة. في ذات الساحة وقبل ستة أشهر، انفردت بلدية رام الله بقرار عدم إنارة الشجرة إيذانا بحلول أعياد الميلاد المجيدة، معللة قرارها المنفرد هذا بصعوبة الأحوال وارتقاء الشهداء واحترام مشاعر من فقدوا عزيزا ومن خسروا بيتا. في المقابل، احتج كثيرون على هذا القرار وطالبوا بعدم المساس بتقاليد هذا العيد الفلسطيني الذي يحتفل فيه العالم بميلاد رسول السلام، عيسى الفلسطيني عليه السلام. لكن الاحتجاجات لم تلقى آذانا صاغية، وانفردت رام الله بقرارها هذا دون باقي مدن فلسطين التي أولت هذا العيد حقه.
لم تختلف الأوضاع على الأرض منذ ستة أشهر، فما زال الشهداء يرتقون والبيوت تدمر وجثامين الشهداء تحتجز والأراضي تصادر وملامح الفاشية تتجلى في كل سياسات وأفعال الاحتلال. لكن رام الله شهدت احتفالات جميلة تخللها إنارة فانوس رمضان وغيره من الفقرات الاحتفالية. ما الذي اختلف إذن؟ عنصران رئيسيان: الأول أن هناك انتخابات بلدية على الأبواب، والثاني أننا نتعامل مع المناسبات الدينية للأغلبية العددية في فلسطين باعتبارها مناسبات عامة بينما لا زلنا نتردد في التعامل مع المناسبات المسيحية باعتبارها مناسبات فلسطينية بامتياز، وهذا ما انعكس أيضاً في مسألة عيد الفصح المجيد التي فشلت الحكومة في التعاطي معه بحكمة، وعززت شعور الكثيرين بأنهم مستثنون من التفكير الرسمي إلا ما ندر، ما استعدى تدخلا رئاسياً حكيماً كرم المناسبة وأهلها بما يليق بهم وبفلسطين وأعلن العيد عيداً رسمياً فلسطينياً للجميع.
أخذ البعض على الاحتجاج على إنارة فانوس رمضان أنه طائفي وعنصري، لكن في هذا التقييم قصوراً كبيراً يتجاهل أساس الاحتجاج، وهو المطالبة بالمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كما ينص القانون الأساسي. المعارضة ليست على إنارة فانوس رمضان، وهو تقليد جديد في فلسطين مقارنة بإنارة الشجرة. الاعتراض هو على تفضيل احتفالات أو مناسبات على أخرى وتكريس طغيان الأغلبية على حساب الأقلية العددية.
التآخي والعيش المشترك والمحبة المتبادلة ليسوا سمات جينية غير قابلة للتغيير وليست مفردات نستأنس بها كلما دعت الحاجة في المناسبات الدينية. هذه قيم يتوجب علينا رعايتها وحمايتها وتعزيزها بالأفعال والسياسات ولا مجال للتكاسل والاستهتار والتناقض، لأن من شأن إتاحة المجال لزرع بذور تعصب وتطرف بقيت فلسطين في مأمن منه طيلة العقود الماضية. منطقتنا تشتعل بسبب الطائفية وتشهد عمليات تطهير عرقي باتت تهدد وبشكل عملي الوجود المسيحي الأصيل في المنطقة بسبب التعصب والتخلف والتشدد والظلامية والعنف الدموي غير المسبوق.
فلسطين يجب أن تبقى واحة للأمن والتعايش والتسامح بين أبناء الشعب الواحد، وهم شركاء في الهم والنضال الوطني. ورغم عدم وجود خطر داهم لاجتياح العنف الطائفي والديني لفلسطين، إلا أن على الأكثرية العددية في فلسطين واجب تعزيز مبادئ المواطنة والمساواة والتآخي حتى لا تشكل الأحداث والخطوات غير المحسوبة ضغطاً يساهم في إحساس المسيحي الفلسطيني بأن مساحته في الوطن تضيق وربما تقتصر على الخطابات الجميلة بينما الواقع يعكس غير ذلك. المسيحية والمسيحيون في فلسطين ليسوا طارئين بل هم جزء أصيل من نسيجنا الاجتماعي والثقافي والوطني ويجب ألا يخضعوا لأي حسابات تنتقص من مكانتهم المهمة وعطائهم المستمر للوطن والمجتمع. وأهم من ذلك كله، الفلسطينيون مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم أو معتقدهم – هذه قيمة لا يجب ألا تهتز أو تقوض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية