المبادرة الفرنسية للسلام ليست وليدة الأسابيع الماضية، فقذ أخذت تتبلور عملياً بعد توجه فلسطين إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتي لم تحصل فيه على الحد الأدنى المطلوب لتمرير الاعتراف، ولكن كان هناك موقف أوروبي مساند في مجمله للمطلب الفلسطيني، وإن اختلفت الرؤى الخاصة بالتوقيت.
منذ أكثر من عام وفرنسا تتحرك في جميع الاتجاهات من أجل إحداث تقدمٍ ما في مسيرة السلام. بدأ هذا التحرك داخلياً من خلال "البرلمان" أو من خلال الحكومة والقيادات الفرنسية بمستوياتها المختلفة.
باريس التي بدت متحفظةً في بداية الأمر، تمكّنت من خلال تجميع القوى الداخلية الفرنسية من الانتقال إلى مستوى آخر، هو المستوى الدولي. وكان الاتصال الأهم مع الإدارة الأميركية، وبشكل خاص مع الرئيس الأميركي أوباما، الذي كانت تناقضاته مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد وصلت إلى أعلى مستوى. وبالتالي أخذت باريس ضوءاً أخضر من البيت الأبيض، ولكن كانت هناك مشكلة أخرى هي الكونغرس الأميركي، الذي ما زال يقف إلى جانب نتنياهو (بمعنى إسرائيل) ظالماً أو مظلوماً.
باريس، أيضاً، تمكنت من حشد قوة الاتحاد الأوروبي بما فيه بريطانيا خلف مبادرتها التي تم تعديلها أكثر من مرة خلال الشهور الماضية، لتبدو مقبولة لدى الأطراف المعنية، وبشكل خاص الفلسطينيين وإسرائيل.
الموقف الإسرائيلي في بدايته لم يكن حاسماً من المبادرة، وتمثل ذلك في الرفض غير المعلن، والردود المتباينة، ولكن بعد الانطلاق الفرنسي الرسمي في الترويج للمبادرة، وتحريك المسيرة السياسية... بدأت ردود الفعل تظهر بشكل واضح لدى كل الأطراف.. فالفلسطينيون اعتبروا أنها أساس جيد وحاولوا ربطها مع المبادرة العربية، والأهم من ذلك  عقد المؤتمر الدولي، بمعنى أن الحل النهائي يكون وفق القرارات الأممية المتعاقبة، بما يحقق سلاماً عادلاً لمختلف الأطراف يقوم على مفهوم حل الدولتين وإيجاد حلول مرضية لقضايا الحل النهائي.
ولهذا كان التحرك السياسي الفلسطيني خلال الشهر الماضي مكثفاً على الصعيدين العربي والدولي من أجل حشد تأييد للمواقف الفلسطينية. ولهذا لاحظنا أن مجمل التصريحات السياسية الفلسطينية أكدت أن المبادرة مقبولة كأساس يُبنى عليه بما يتوافق مع المبادرة العربية والقرارات الدولية السابقة. 
الأهم من كل ذلك هو الموقف الإسرائيلي، لأنه بات واضحاً أن تل أبيب هي من تملك الأوراق، وأن سياسة المهادنة الغربية لا يمكن أن تصل إلى حد الضغط على نتنياهو أو حكومته للسير بهذا الاتجاه.
القيادة الإسرائيلية باتت أكثر وضوحاً منذ زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمنطقة، حيث أعلنت وبشكل لا غموض فيه رفضها المبادرة الفرنسية، وأنها لا تصلح لأن تكون أساساً للسلام، وعلى الرغم من الإغراءات التي قدمت إلى نتنياهو، فإنه أصرّ على موقفه.
إسرائيل لن تشارك في المؤتمر الدولي، ولن توافق على أي قرارات تصدر عنه، بل على العكس، كثير من الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن المقبلة على انتخابات رئاسية لن تسمح بتمرير ما لا ترغب به إسرائيل، وستكون حائط الصد الأول في مواجهة أي ضغوط عربية أو حتى دولية من عواصم تصوت على قرارات دون أن تمتلك القدرة على تنفيذها، وبالتالي تظل حبراً على ورق. 
السؤال الأهم: لماذا يريدون من نتنياهو أن يذهب إلى مؤتمرات سلام، ومن قال إن إسرائيل بحاجة اليوم إلى هذا السلام. وماذا سيضيف إليها في ظل التحولات الإقليمية العميقة؟
إسرائيل اليوم في وضع أفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة، وتمكنت من خلق أمر واقع، لا أحد يستطيع تغييره في ظل موازين القوى القائمة اليوم.
ولهذا، فإن الطرف الأضعف في المعادلة اليوم هو الفلسطيني؛ لأننا قدمنا كل ما نملك خلال سنوات أوسلو العجاف، ولم يعد هناك شيء نتنازل عنه، أو بالأحرى لم يعد الاحتلال بحاجة إلى تنازلات أخرى.
وعليه، فإن باريس ستكون محطة أخرى من مجموعة محطات بدأت في العام 1970، ممثلة في مبادرة "روجرز" وليس انتهاءً بالمبادرة الفرنسية في العام 2016... هي مجرد محطات انتظار إلى ما سيأتي بعدها إذا ما كانت هناك فرصة لما بعد؟!!


abnajjarquds@gmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد