نجح بنيامين نتنياهو في توسيع ائتلافه الحكومي بضم حزب (إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيغدور ليبرمان للحكومة بعد أن منح الأخير منصب وزير الدفاع في الحكومة بالإضافة إلى الاتفاق حول بعض المطالب الأخرى لهذا الحزب والتي كان أهمها توفير تقاعد للمهاجرين الروس الذين أمضوا غالبية أو كل سنوات خدمتهم في روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وأصبحت الحكومة الإسرائيلية تستند على دعم 66 عضو كنيست بعد أن كانت قائمة على أغلبية عضو واحد فقط، ما كان يجعلها غير مستقرة وخاضعة لابتزاز أي عضو في الائتلاف الحاكم. كما نجح في تفكيك الأزمة مع حزب (البيت اليهودي)، بعد الاتفاق مع نفتالي بينت زعيم هذا الحزب على صيغة تؤمن معرفة أعضاء «الكابينت» من الاطلاع على المعلومات الأمنية ذات الصلة بقراراته من خلال مستشار الأمن القومي، وليس من خلال تعيين سكرتير عسكري للمجلس الوزاري المصغر صاحب القرار في الحرب والسلم. وبهذا استطاع نتنياهو أن يثبت مرة أخرى أنه سياسي داهية في كل ما يتعلق بإدارة السياسة الداخلية وفي التعامل مع خصومه وحلفائه على حد سواء.
التشكيل الجديد للحكومة الإسرائيلية أثار ردود فعل مشككة بنوايا نتنياهو حيث كانت هناك رغبة إقليمية ودولية في رؤية كتلة (المعسكر الصهيوني) تنضم للحكومة وتبدأ عملية سياسية جادة للتوصل إلى تسوية سياسية أو على الأقل إحداث اختراق في العملية السياسية يريح دول الإقليم والمجتمع الدولي المنشغل في قضايا كثيرة أبرزها الأزمتان السورية والليبية وقضية اللاجئين. وخاصة على ضوء مطالب هذا المعسكر بتجميد الاستيطان والبدء بعملية مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس المبادرات الإقليمية القديمة – الجديدة. ولهذا تبدو المهمة الأولى لنتنياهو بعد استقرار الحكومة هي العمل على تسويقها باعتبارها حكومة معتدلة وليس كما يظن العالم أنها حكومة أقصى اليمين والتطرف والعنصرية.
التسويق بدأ فعلاً بالمؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الحرب الجديد ليبرمان في عملية التصويت وإقرار تعيينه كوزير في الحكومة، وذلك من خلال التبشير بموقف سياسي جديد يبدو مختلفاً عن مواقف نتنياهو السابقة بشأن المبادرة العربية للسلام حيث أكد نتنياهو أنه مستعد للتفاوض مع الدول العربية على أساس مبادرة السلام العربية، التي من وجهة نظره «تشتمل على نقاط إيجابية يمكن أن تسهم في ترميم المفاوضات مع الجانب الفلسطيني»، مع أنه أوضح أن البدء بهذه المفاوضات لابد وأن يعكس التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة منذ العام 2002. وأكد كذلك أن هدف المفاوضات هو التوصل إلى حل الدولتين لشعبين. كما لم ينس الترحيب بمبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واقتراحه لدفع السلام والاستقرار في المنطقة وكلمته المهمة بهذا الخصوص.
وذكاء نتنياهو هو اختيار الحديث حول السلام بحضور ليبرمان الذي عاد بدوره وأكد تصريحات نتنياهو بشأن حل الدولتين ومبادرة الرئيس السيسي، بل أكد بأنه يتفق معه تماماً في كل ما قاله. فعندما يتفق الرجلان على لغة واحدة تظهر اعتدالاً سياسياً وهما اللذان سيقودان الحكومة والمتهمان بالتطرف، فليس أبلغ من هذه الرسالة التي يراد لها أن تصل إلى مسامع دول الإقليم والمجتمع الدولي وتبدد الشكوك والمخاوف من السياسة الإسرائيلية القادمة تحت قيادة هذا الثنائي. وكانت هناك محاولة أخرى من ليبرمان لطمأنة الجميع بأنه سينتهج «سياسة أمنية تتحلى بالمسؤولية والاتزان».
تصريحات نتنياهو وليبرمان ستدفع دولا وأطرافا إقليمية ودولية للضغط على الفلسطينيين والعرب لمنح نتنياهو فرصة جديدة والبدء في عملية تفاوضية ثنائية وربما تحت رعاية إقليمية (مصرية مثلاً) أو دولية بمشاركة عربية، على اعتبار أن مواقف نتنياهو تحمل الجديد المعتدل. وستجد القيادة الفلسطينية صعوبة في أية محاولة لتجاوز مبدأ المفاوضات مع إسرائيل على الرغم من وجود شكوك وربما قناعة بأن نتنياهو سيحاول كسب وإضاعة الوقت من جديد ليعزز فرص استمرار حكمه وتخفيف وطأة العزلة التي باتت تضيق الخناق على إسرائيل. فنتنياهو غير موقفه شكلاً ولم يغيره جوهراً. ففي السابق كان يقول إن المبادرة العربية للسلام لم تعد تتواءم مع المرحلة الحالية. وفي تصريحاته الجديدة ركز على «التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة منذ العام 2002» أي أنه يقول للعرب: عليكم أن تعدلوا المبادرة بحيث تستجيب مع مطالب إسرائيل، وهناك تسريبات إسرائيلية بأن بعض الدول العربية وجهت رسائل لإسرائيل تؤكد استعدادها لتعديل المبادرة العربية في البند الخاص باللاجئين وربما بند الحدود كتبادل الأراضي الذي تصر إسرائيل على إدراجه لأنه يمنحها حرية مواصلة البناء الاستيطاني على أساس أن الفلسطينيين قبلوا مبدأ ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية في إطار تبادل الأراضي. وهذا على الرغم من أن مجلس الجامعة العربية والقيادة الفلسطينية رفضا فكرة تعديل المبادرة العربية. ولكن المواقف العلنية لا تعكس بالضرورة الرسائل السرية والمواقف البعيدة عن الإعلام.
يمكن لنتنياهو أن يكسب بعض الوقت حتى تنفضح سياسته ويعود إلى المربع الذي لم يغادره أبداً، ويمكن أن يقوم بمفاجأة بالمضي قدماً في طريق التسوية وعندها سيضطر لتغيير شركائه في الائتلاف الحكومي وسيكون (المعسكر الصهيوني) الذي يلهث زعيمه اسحق هرتسوغ لأن يكون وزيراً في الحكومة. وهو بدون شك قادر على تمرير أي قرار في الكنيست وحتى لدى الرأي العام عندما يذهب إلى حل تاريخي. والآن نتنياهو، اللاعب الحذق سيكون على المحك من جديد لاختبار نواياه الفعلية، وكذلك كل الأطراف التي تتعاطى مع لغته السياسية الجديدة نسبياً.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية