في الوقت الذي يتخوف فيه الثنائي نتانياهو ويعالون من التقرير الذي سربت أجزاء منه حول سوء إدارة الحرب الأخيرة على غزة "الجرف الصامد".

شرع رئيس الوزراء وحليفه وزير الدفاع، باتخاذ إجراءات وقائية تخفف من أثر التقرير الذي يدينه في معالجة الجرف الصامد، ويتهمه بالتفرد بالقرار وإطالة أمد حرب غزة دون مبرر، والمبالغة في القتل والتدمير دون الحصول على نتائج حاسمة.

في سياق هذه الإجراءات الوقائية قام نتانياهو بزيارة إلى مستوطنات غلاف غزة، والتقى مع القوات الإسرائيلية العاملة هناك، واشاد بنفسه وبوزير دفاعه اللذين حققا مع الجيش الاسرائيلي إنجازاً غير مسبوق، وهو فرض الهدوء على غلاف غزة لمدة سنتين، وأن الخروقات الطفيفة التي حدثت لم ترق إلى مستوى إحداث قلق لدى المستوطنين ولدى القيادة الإسرائيلية.

وبعد هذه الزيارة ذات الطابع الدعائي بدأت عملية تسخين متدرج للجبهة مع غزة، عنوانها القضاء على الأنفاق التي تهدد إذا لم تستأصل، مستوطنات الجنوب وقد تمتد بتأثيرها إلى ما هو أعمق من ذلك، وبالفعل بدأت عملية عسكرية فيها توغل داخل حدود القطاع، يرافقها إعلانات إسرائيلية بأن عمليات الجيش هناك ستستمر، مع تحذير لحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من مغبة الرد أو اعتراض عمليات الجيش، بمعادلة "لكل قذيفة هاون وجبة قصف تنفذها مدفعية الدبابات وطائرات الـ F16" 

الأمر الجديد هو الكيفية التي يغطي فيها كل طرف موقفه من هذا التصعيد والتوغل.

حماس تعلن أنها غير معنية بالدخول في حرب جديدة مع إسرائيل، إلا أنها لن تسمح بتغيير الواقع على الأرض بما يخدم حرية حركة الجيش الإسرائيلي داخل أراضي غزة، اما اسرائيل فتتحدث بنفس النغمة التي تتحدث بها حماس فهي توجه رسائل للعالم بأنها غير معنية بحرب جديدة على غزة الا انها لن تتوقف عن البحث والتنقيب عن الانفاق، ولن تتوانى في الرد على اي قذيفة تصدر من غزة مهما كان وزنها وفاعليتها.

إذن نحن أمام حرب تختلف عن الحروب السابقة التي كانت تعتمد الاجتياح البري مع كثافة القصف الجوي والتوغل لعدة كيلومترات داخل غزة، ذلك أن هذا النوع من الحروب يبدو أن ضرره أكثر من نفعه، أما الحرب بصورتها الراهنة فهي لا تنطوي على مغامرة أو مقامرة بأرواح الجنود، وبإمكانها كما يفكر الإسرائيليون أن تعالج التهديد القادم من غزة عبر الأنفاق، دون إثارة ردود فعل قوية من قبل العالم، ودون الإفراط في تدمير البيوت والممتلكات ودون خسائر بشرية من الجانبين تؤدي إلى تعقيد الأمور أكثر مما تقدم حلاً ناجعاً.

يرافق هذه الحرب المتقطعة والمحدودة والمغلفة بإعلام هادئ، تحرك ديبلوماسي تقوم به مصر بصورة رئيسية لتهدئة الأوضاع ومنع اتساع الفعل العسكري الإسرائيلي ورد الفعل المحتمل من غزة.

مصر دائماً تشعر بحرج شديد حين تقوم إسرائيل بعدوان واسع النطاق على غزة، وقد دأبت منذ سيطرة حماس على القطاع على لعب دور الإطفائي الذي يمتلك التأهيل الموضوعي لإنجاز تفاهم على وقف إطلاق النار أو اتفاق يوصف أحياناً بوقف عمليات العداء من كلا الجانبين .
في هذه المرة ستواصل مصر دورها، إلا أن إسرائيل فيما يبدو ستواصل في المقابل ما تسميها بالحرب الوقائية ضد الأنفاق، وهذا ما يخلق حالة من التوتر لفترة ربما تكون طويلة الأمد، ووفق الرواية الاسرائيلية لما يجري، فإن هنالك تصميماً عنيداً على إنهاء ظاهرة الانفاق حتى لو اقتضى الأمر توسيع نطاق الاجتياحات والتوغلات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد