في الفصل الأخير من الحرب الباردة، شن الغرب بقيادة الولايات المتحدة هجوماً كاسحاً على الاتحاد السوفياتي السابق ودول أوروبا الشرقية، التي كانت ضمن حلف وارسو، أي ضمن ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية، على قاعدة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي كانت منتهكة في تلك الدول بحكم أنها كانت تقاد من قبل أنظمة حكم شمولية، تستند إلى الحزب الحاكم وأمينه العام، الذي كان يمثل رأس النظام المستبد. 
وشجع الغرب الرأسمالي شعوب تلك الدول على الثورة، التي بدأت تجتاح شرق أوروبا، بدءاً من بولندا، كذلك «نفخت» فيها روح القومية / الإثنية، بحيث إن دول ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي، الذي كان قد وقف بعد الحرب العالمية الثانية في وجه «الحلفاء» _ بريطانيا، فرنسا، والولايات المتحدة_ ومنعها من إعادة تقسيم العالم كمستعمرات لدول الغرب الرأسمالي، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، ثم واصل الدفاع عن شعوب العالم، خاصة شعوب إفريقيا، آسيا وأميركا اللاتينية، من أجل أن تتحرر من الاستعمار وتستقل كدول، تمردت على الأممية التي كانت تجمعها، وأخذت في «العودة» لأصولها القومية / الإثنية، وفي نفس الوقت تتحول للنظام الرأسمالي، بما يعني إسقاط أنظمة الحكم المعادية للمناوئة للغرب، وتنصيب أنظمة حكم موالية له، وهذا يعني «استكمال» عملية الفوز بنتيجة الحرب الباردة من قبل الغرب. 
وكان من نتيجة انهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي أن تفكك الاتحاد الذي كان مشكّلاً من نحو ست عشرة دولة، إلى دول مستقلة، منها: روسيا، أوكرانيا، جورجيا، حتى ما يسمى بدول البلطيق الصغيرة الثلاث: لتوانيا، مولدوفيا، وإستونيا، التي يصل تعداد سكانها مجتمعة نحو ستة ملايين نسمة، كذلك واستناداً إلى إثارة النزعة القومية / الإثنية، تفكك الاتحاد اليوغسلافي، إلى نحو ست دول، يوغسلافيا / تيتو التي كانت تشكل مع مصر / عبد الناصر، وهند / نهرو وإندونيسيا / سوكارنو قيادة دول عدم الانحياز، التي كانت تناهض أيضاً الاستعمار الغربي، وتساند حركات التحرر والاستقلال في العالم، وتفككت تشيكوسلوفاكيا، إلى دولتين، وهكذا تحولت مراكز القوة في أوروبا الشرقية (الاتحاد السوفياتي، يوغوسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا) إلى عدة دول صغيرة، من أجل تسهيل سيطرة الغرب بالطبع عليها، وتبديد معسكر الشرق الذي كان يقف في وجهه.
مع أنه كان متوقعاً، أن يتحول الغرب، بعد انتهاء الحرب الباردة بتفكيك دول شرق أوروبا، إلى دول أكثر، أصغر وأضعف، وذلك قبل ربع قرن، مع مطلع تسعينيات القرن العشرين الماضي، للشرق الأوسط، وفعلاً كانت تقارير مراكز القرار والبحث والدراسة في البيت الأبيض والبنتاغون كثيراً ما تتحدث ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي عن الشرق الأوسط الجديد، وكان الحزب الديمقراطي بالذات يفكر جدياً ب فتح الدول العربية، ومجتمعاتها، وإسقاط أنظمتها، ولكن كانت هناك حسابات ومخاوف من أن تستلم مقاليد الحكم الأحزاب الدينية التي ورثت الأحزاب القومية واليسارية والعسكر، بعد انهيار السوفيات وصعود نجم « الثورة الإسلامية الإيرانية». 
المهم هو أن اللحظة جاءت، وتحالفت واشنطن مع الإخوان المسلمين، ونجحت في إسقاط أربعة أنظمة عربية، لكنها، وهي «تفكك» الدول العربية المركزية في المنطقة، تثير النزعة الطائفية أولاً والعرقية / الإثنية ثانياً، بهدف تشطير العراق إلى أكثر من 3 دول، وسورية إلى مثل ذلك، كذلك تفكيك ليبيا واليمن. 
المثير في الأمر هو أن الاصطفاف الطائفي انتشر كالنار في الهشيم في الشرق الأوسط، وسادت مصطلحات حتى بين النخبة، فهناك من يصف نظام الحكم الإيراني بالرافضة، مقابل من يطلق على النظام السعودي مصطلح الوهابي، وكلا المصطلحين ينتميان للطائفية.
لم يعد ما يحرك الناس والقوى مبادئ التحرر والاستقلال، لدول وشعوب ما زالت مستعمرة، مثل عربستان، بمساحتها التي تصل إلى 185 ألف كيلو متر مربع، أي ما يساوي مساحة سورية، حيث تمتد على حدود ايران الغربية / الجنوبية، وكل ساحل الخليج العربي من ناحية الشرق،  كذلك هناك لواء الإسكندرون بمساحة تبلغ نحو 5 آلاف كيلو متر مربع، ما يساوي مساحة الضفة الغربية، ومع ذلك هناك من يرى في إيران وتركيا إخوة في العقيدة، بل يكاد العرب المسلمون ينقسمون بينهما في التأييد «والمبايعة». 
وإن قمنا بتعداد ما تركه وراءه الاستعمار الغربي _ بريطانيا وفرنسا _ في بلادنا، من مشاكل حدودية، بدأت أياد خفية في إثارتها، من مثل ما حدث بين العراق والكويت قبل نحو ربع قرن، أو ما بدأ يحدث بين السودان ومصر حول حلايب والشلاتين، أو ما أثار اللغط حول تيران وصنافير، بين مصر والسعودية، إضافة لمشاكل الأقليات: الكرد والأمازيغ، زنوج جنوب السودان، لتبين لنا مدى ما يفعله الغرب بالمنطقة، مع أن مثل هذه المشاكل موجودة في كل مكان، لكنها _ تثار _ فقط حين يسعى للغرب للتغير السياسي في منطقة ما.
لم تحل دول المنطقة مشاكلها الداخلية، فهي لم تُقم دولة المواطنة، لذا فإن الأقليات العرقية / القومية، الطائفية / الدينية، والأقليات الثقافية والسياسية ظلت مضطهدة، وهناك احتلالات لشعوب ومناطق _ كما أسلفنا _ فإسرائيل تحتل فلسطين بالكامل، وإيران تحتل عربستان وتركيا تحتل الإسكندرون، كذلك إيران تحتل جزر الإمارات الثلاث وإسبانيا تحتل سبتة ومليلة، وكل شعوب الدول العربية وإيران _ تركيا وإسرائيل بدرجة أقل _ تعيش في ظل أنظمة حكم مستبدة، لذا فكل شعوب المنطقة تريد التحرر والاستقلال، كما تريد الحرية والديمقراطية، ونرى _ بهذه المناسبة _ أنه يمكن رفع شعار: يا شعوب المنطقة اتحدوا، ضد الغرب وضد الاحتلال وضد الاستبداد معاً.


Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد