لا يمكن القول بثقة بأن السلطة الفلسطينية قد قاتلت من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ توقيع اتفاقات اوسلو وحتى الآن، بمن فيهم عضو اللجنة المركزية لـ «فتح» الأخ / النائب مروان البرغوثي، وذلك لا يعود _ بتقديرنا_ الى ان السلطة تعتبر ملف الأسرى غير ذي أهمية، أو أنه لا يثقل على كاهلها، بل لأن الملف الذي كان خلال الأعوام الخمسة الأولى، بعد اتفاق غزة / أريحا أولا، يشهد انفراجات وإفراجات عن دفعات من المعتقلين / الأسرى، سرعان ما واجه انسداداً مترافقاً مع انسداد أفق التفاؤل بعملية السلام، بعد انتهاء مهلة الحل الانتقالي (5 سنوات) واندلاع المواجهة عام 2000.
وإذا كانت السلطة قد نجحت في فترات سابقة، خلال الفترة من 1994 _ 2000 في إطلاق سراح عدد من الأسرى، وكان ذلك يجري ضمن ما كان يسمى بإجراءات حسن النية، فان « حماس » نجحت في إطلاق سراح مئات الأسرى، ضمن عملية التبادل التي تلت عملية «الوهم المتبدد» والحقيقة ان كلا من «فتح» و»حماس» كانت تسعى لتسييس عمليات إطلاق سراح الأسرى، كل من جهتها للتأكيد على نهجها في مواجهة إسرائيل، فتح من خلال إرفاق جولات التفاوض بإطلاق سراح أسرى، و»حماس» من خلال عمليات عسكرية تأسر فيها جنودا إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
غني عن القول إن المفارقة لا تكمن فقط في عدم كفاية نهج كل من «فتح» و»حماس» منفردا، فالكفاح ضد إسرائيل يجب ان لا يقتصر على الكفاح المسلح، خاصة بشكله النخبوي / العصابي عبر مجموعات المقاومة، ولا بالتفاوض دون مقاومة متعددة الأشكال والوسائل، وواضح ان الأجدى هو التكامل بين «حماس» التي تحكم في منطقة محررة من الاحتلال الداخلي ( غزة ) وفتح التي تحكم في ظل الاحتلال ( الضفة الغربية )، ولكنها _ اي المفارقة، تكمن ايضا في ملف الأسرى الذي هو ملف سياسي بامتياز، اي انه من العبث القول بإمكانية إغلاقه في ظل الاحتلال الإسرائيلي، والدليل هو ان آخر جولة تفاوضية بين السلطة وإسرائيل جرت عام 2013 توقفت ولم تحقق شيئا، بل ولم يتم الاتفاق حتى على مواصلتها، بسبب عدم إطلاق إسرائيل للدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، حسب نص اتفاق إطلاق تلك الجولة التفاوضية، كذلك فان إسرائيل سرعان ما عادت إلى اعتقال عدد من المفرج عنهم في عملية التبادل التي أسمتها حماس بعملية الوعد الصادق!
قبل أيام، وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني التي تصادف 17 إبريل / نيسان من كل عام _ وهذا اليوم ليس مرتبطا بأي حدث له علاقة بالأسرى، لا بذكرى أول أسير فلسطيني، ولا بذكرى إطلاق سراح أول الأسرى، ولا بذكرى استشهاد أول مضرب عن الطعام، ولا بذكرى من هذا القبيل، لكنه يوم حدده المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 _ المهم انه قبل ايام، التقت السيدة فدوى البرغوثي زوجة المناضل الأسير مروان البرغوثي، وزير الخارجية المصري السيد سامح شكري، حيث قيل بأن مصر تدرس جديا إمكانية التوسط لدى إسرائيل للإفراج عن الأسير الفتحاوي، الذي يحظى بمكانة مرموقة في الشارع الفلسطيني، خاصة في الضفة الغربية، والذي يعتبر الإفراج عنه تعزيزا لمكانة حركة فتح، وربما مفتاحا لإنهاء الانقسام، الذي تراوغ فيه حماس، نظرا لأنه سيعني سيطرة السلطة المركزية على قطاع غزة، وهذا أمر يهم جدا مصر، التي تريد تحقيق أمرين معا، او ان تضرب عصفورين بحجر واحد، وهما، ضبط حدودها مع غزة، وضمان خلو غزة من عناصر او أفراد يؤازرون جماعة بيت المقدس التي تحارب الدولة المصرية في سيناء، كذلك الاطمئنان لغزة، لفتح معبر رفح ، والتحرر من الضغط الأخلاقي والإعلامي، الذي لا يكف عن مناشدة مصر بفتح المعبر.
تشير التقارير بهذه المناسبة الى ان نحو مليون فلسطيني من سكان الضفة و القدس والقطاع، قد اعتقلوا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 67 وحتى الشهر الجاري، وان نحو 7 آلاف ما زالوا يقبعون في السجون الإسرائيلية، منهم من وصلت فترة اعتقاله الى 30 عاما، ومنهم نواب وأطفال ونساء، بما يؤكد «وهم» التعايش بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.
لقد انطلقت التظاهرات واحتشدت الجماهير، في يوم الأسير الفلسطيني، لإحساسها بان الشعب الفلسطيني بأسره انما هو أسير الاحتلال، فنحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة محاصرون من قبل إسرائيل، ونحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة والقدس محاصرون بالحواجز، لا يتنقلون لا داخل الضفة ولا خارجها إلا بأوامر وموافقات احتلالية / إسرائيلية، فيما باقي الشعب الفلسطيني ممنوع عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي ان تطأ اقدامه ارض وطنه.
آن الأوان _ بتقديرنا _ لأن يشرع الكل الفلسطيني في مشاريع عمل مناهضة للاحتلال دون رفع الشعارات، وبهدوء، كل في مجاله يعد عدته وملفه، ومن ضمن هذه الملفات، ملف الاعتقال والأسر، حيث ان إسرائيل تضرب عرض الحائط باتفاقات جنيف وتطبق الأوامر العسكرية بحق سكان الضفة الغربية، ومن ضمن ذلك إجراءات الاعتقال الإداري، وبرأينا _ يستحق ملف الأسرى _ ان يطرح على المحاكم الدولية، فالقضية الفلسطينية العادلة ما زالت تحتاج للمحامي « الشاطر «، حتى تتحقق العدالة ويكسب الشعب الفلسطيني قضيته ضد إسرائيل، بكنس احتلالها من أرضه ووطنه، ولكن هذا يحتاج لمثابرة، والى اتباع نهج التدرج وجمع النقاط، بهدوء وطول نفس، وعبر جمع كل مكونات الكل الوطني، وتكاملها، حتى يجيء يوم يصبح فيه يوم الأسير الفلسطيني يوماً عابراً، يوماً من الماضي.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية