ما حصل في زيارة عاهل السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخية لمصر يمكن ان يسجل لبداية تغير إقليمي ذي مغزى، ليس فقط بسبب مدة الزيارة التي استغرقت 5 أيام ولا بسبب حجم الوفد السعودي الذي كان على أعلى المستويات، بل بالاتفاقات التي عقدت بين الجانبين وتناولت مختلف أوجه العلاقة بين مصر والسعودية، وايضاً بالملفات التي لابد وان تنعكس عليها نتائج هذه الزيارة.
الاتفاق على انشاء جسر يربط بين الدولتين لتسهيل حركة مرور الأشخاص والبضائع بناءً على النية في تطوير التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وبما يتضمن موافقة مصرية على اعادة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وهما اللتان سيربط بينهما الجسر وبين مصر والسعودية، يشكل بلا شك تطوراً نوعياً على درجة كبيرة من الأهمية ربما يكون قد أغاظ اسرائيل وجعل بعض الجهات فيها تعبر عن القلق بحجة تأثير الجسر على حرية الملاحة في ممر تيران بناءً على الاتفاق المصري - الاسرائيلي، مع ان اسرائيل تعلم أن الجسر لا يعيق الملاحة البحرية ولا بد أن يأخذها بالاعتبار كما غالبية الجسور في البحار.
وتشمل الاتفاقات كذلك فتح الباب واسعاً أمام العمالة المصرية، واستثمارات سعودية كبيرة في مشاريع داخل مصر، تشمل صندوق استثمار مصريا - سعوديا ووديعة سعودية، وزيادة حجم التبادل التجاري، واتفاقات في مجال الكهرباء وغيرها.
لكن ليس لهذه الاتفاقات تحديداً جاء الملك سلمان فالجانب الأمني أكثر ما كان يشغل باله، وهو يريد تعاوناً مصرياً مختلفاً عما حصل حتى الآن.
ودون ريب يريد الملك جهداً مصرياً أكبر في حرب اليمن، وموقفاً أكثر اقتراباً من الموقف السعودي في الملف السوري، وللعلم هناك خلافات في وجهات النظر حول هذين الملفين بين مصر والسعودية، فمصر لا تريد التورط في الحرب اليمنية، وكونها جزءا من التحالف العربي لا يعني وجود رغبة مصرية في المشاركة الفعلية في القتال وهي تريد أن تنحصر مشاركتها في الدعم اللوجستي وربما في عمليات محدودة عن بعد.
وفي الموقف من سورية هناك موقف متميز لمصر يقضي بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية حتى لو كان الثمن الإبقاء على نظام بشار الأسد، وهذا بطبيعة الحال يختلف عن الموقف السعودي الذي يدعم الحرب على نظام الأسد ويريد إسقاطه بكل الوسائل مهما كانت النتائج حتى لو دمرت وقسمت سورية. والسؤال هنا من الذي اقترب من موقف الآخر، هل أيقنت السعودية أن مهمة إسقاط الأسد باتت شبه مستحيلة في ظل التدخل الروسي الفاعل، وأنه لابد من مرحلة انتقالية بوجوده؟
الملك سلمان يريد إنشاء قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن العربي ومصر قد لا تمانع في ذلك ولكن المهم على أية أرضية يتم إنشاء القوة، وهل هي على أساس معاهدة الدفاع المشترك ونظام الجامعة العربية، وكيف يمكن تقدير المصلحة القومية العربية عندما لا يكون هناك توافق على قضايا جوهرية وعندما تتآمر دول عربية على دول عربية أخرى كما في حال سورية، وتتم الاستعانة بقوى خارجية تريد تدمير العالم العربي وتفتيته وإضعافه والاستيلاء على مقدراته، وهل القوة العربية هي في وجه أعداء الأمة كإسرائيل مثلاً أم أنها موجهة لإيران باعتبارها العدو اللدود للسعودية.
مما لا ريب فيه أن علاقة مصر مع « حماس » كانت حاضرة في المباحثات بين البلدين، فكيف يمكن تجاهل مصالح «الإخوان المسلمين» الذين أطيح بهم في مصر والتسليم بإبعادهم عن المشهد، والدعوة للتقارب مع «حماس»، وهل السعودية حقيقة ترغب في دفع «حماس» إلى حضن مصر، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على المصالحة، بعد أن أفشلت «حماس» جهود السعودية، وهل سيكون الدور السعودي إيجابياً في هذا الملف؟!
هناك الكثير من الأمور التي بحاجة للتوضيح قبل فهم طبيعة العلاقات المصرية السعودية وأي تحالف ينشأ بين البلدين، مع أن الشيء الواضح واللافت في هذا التطور الإيجابي هو حاجة السعودية لمصر بعد غرقها في مستنقع اليمن وبعد فشل سياستها في سورية، وهي التي دفعت أموالاً طائلة في تمويل الجماعات الإرهابية المتطرفة لإسقاط النظام، وربما هناك صحوة سعودية بعد التهور الكبير الذي وقع والذي أضاع الكثير من الأموال والمقدرات السعودية في حروب لا فائدة منها، ولكن إلي أي مدى ستعيد السعودية النظر في توجهاتها وسياساتها المبنية على وهم التأثير على كل شيء وشراء كل الناس بالبترو دولار؟
والسؤال الآخر المهم في هذا السياق ماهو موقع القضية الفلسطينية في الاستراتيجية السعودية وهذا التحالف، وهل يقتصر الاهتمام على إبعاد «حماس» عن إيران أم أن هناك نوايا لإحياء المبادرة العربية للسلام واستعادة زمام الأمور على المستويين الإقليمي والدولي؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية