ليست القراءة عادة في مجتمعنا. ومجتمع القُراء عندنا مجتمع صغير، وربما تنحصر القراءة في فئة قليلة تشعر بالوحدة في المجتمع، وربما إذا تمعن أحدنا في الإحصاءات المتعلقة بصناعة الكتاب في العالم العربي عامة سيصدم من تدنيها وتراجعها مقارنة مع نظيرتها في البلدان الغربية وربما في بلدان الشرق الأوسط الأخرى، وستزيد الخيبة إذا نظر المتابع لتداول الكتاب في المجتمع العربي من حيث البيع والقراءة ومعدلات الطباعة ونوعية الكتب وما شابه. 
ولا بد أننا ما زلنا نتذكر تقرير وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة حول حالة المعرفة في الوطن العربي قبل أكثر من عقد ونيف من الزمن في بداية الألفية الحالية، والمعلومات الصادمة التي وردت فيه. 
وربما نحن بأمس الحاجة بعد هذا الوقت إلى تقرير آخر حتى يكشف لنا هل تغيرت الحال أم ما زالت على عهدها. والحقيقة أنه من غير المحقق أن شيئاً كثيراً تغير، إذ إن أكبر دور النشر العربية لا تتجاوز طباعة أكثر الكتب مبيعاً فيها بضع عشرات من الآلاف فيما يكفي أن نعرف أن بعض الكتب الأكثر مبيعاً في بعض البلدان تبلغ طبعتها الواحدة نصف مليون نسخة مثلاً. 
صحيح أن مكانة الكتاب وسط مجتمع القراءة كوسيلة القراءة الأساسية تراجعت مع انتشار مواقع الانترنت التي توفر الكتاب غير المطبوع، والتي تقدم المادة العلمية والأدبية بأشكال وقوالب تغني بالنسبة للبعض عن الكتاب، وصحيح أن الانترنت بات مصدراً أساسياً للتكوين المعرفي لدى الكثير من المواطنين في عصر العولمة الذي باتت فيه المعرفة تنتقل بسرعة مهولة، كما أنه صحيح أن الانفجار المعرفي لم يكن الكتاب المطبوع حجر الرحى فيه. 
ولكن إلى هذا فإن الكتاب المطبوع، حتى في أكثر البلدان استخداماً للتكنولوجيا مازال يحظى بمكانة كبيرة ومازالت الكتب المطبوعة تستحوذ على اهتمام الناس وعلى ميولهم للقراءة، خاصة حين يتعلق الأمر بالروايات والشعر وكتب الرحلات والكتب الترفيهية، حيث لا يستطيع الكتاب الإلكتروني أن يوفر المتعة التي ينجح الكتاب المطبوع في تحقيقها. 
تبدو هذه الهواجس مشروعة حين كنت أتأمل عشرات الموظفين والعاملين والمتطوعين في مؤسسة تامر وهم يطلقون حملتهم السنوية المعروفة بأسبوع القراءة. 
خلال هذا الأسبوع الذي صارت المؤسسة تنظمه لأكثر من عقدين من الزمن يقوم فريق المؤسسة الذي يتم تدريبه جيداً خلال أسابيع سابقة على فكرة القراءة والتشجيع عليها وتحفيز الناس على التفكير فيها وتطويرها واقتناء الكتب، بعمل ورش عمل متعددة ومتنوعة في مراكز منتشرة في بقاع الوطن يشرحون للناس أهمية القراءة وكيف تنمى حياتنا. 
وبالطبع دائماً الكتب ومناقشتها حاضرة في كل ذلك، وربما الأهم هو حملة التبرع بالكتب التي يقوم بها الفتية والفتيات وهم يطرقون الأبواب يسألون الناس أن يتبرعوا بكتب لصالح مكتبات عامة تنتشر في مراكز مختلفة تساهم تامر في تعزيز عادة القراءة لدى روادها. 
الأمر ليس أسبوعاً كما يبدو، إذ إنها عملية تستمر طوال العام، حتى يتحول العام كله إلى أسبوع قراءة. 
ولكن من الجيد، مثل عادتنا في الحياة، أن نجد وقتاً محدداً نتذكر فيه شيئاً محدداً، مثل يوم الأم حيث لا يقتصر حبنا لأمهاتنا على هذا اليوم. 
والقراءة كذلك، إذ لا يقتصر التشجيع عليها على هذا الأسبوع، لكنه فرصة كي تتركز الجهود لإضاءة شجرة الكتب الكبيرة التي تحفل فيها مكتباتنا فنتذكر أجراس عقولنا الجائعة. استوقفني منظر الفتية والفتيات وهم ينطلقون في الصباح مثل مزارعين نهمين يتوجهون إلى حقولهم حتى يبذروها ويقوموا على رعايتها.
حقاً القراءة في مجتمعنا بحاجة لتشجيع، إنها عادة يجب أن نعمل على تنميتها، فهي ليست شيئا فطريا في الإنسان، رغم أن الإنسان يجد فيها إذا اكتشفها متعة لا تضاهى، ويجد في الاقتراب منها اقتراباً من روحه. 
لكن رغم ذلك إنها مثل الموهبة، غرسة بحاجة لرعاية، ولكن أيضاً، حتى الموهبة مثل الذهب المذرور في تراب الأرض بحاحة لاكتشاف، وكذلك القراءة، علينا أن نتعود عليها وننمي مهاراتنا فيها، وربما نتعلم كيف نقرأ وكيف نفهم ما نقرأ حتى نعشق القراءة ونكتشف جوانبها الخفية.
لنلاحظ مثلاً أن التشجيع على القراءة ليس جزءاً من سياساتنا العامة، وتقع على الحكومة مسؤولية كبرى في ذلك من حيث توفير الكتب وتشجيع طباعتها وربما دعمها. 
وحتى المهام البسيطة التي كانت تقوم بها وزارة الثقافة في بداية عهد السلطة والتي كانت تنبئ بتبني سياسات معقولة تجاه تشجيع الكتاب لم تعد موجودة بعد بضع سنوات من تبنيها. 
وبالطبع دور السلطة والثقافة بحاجة لنقاش أعمق من هذا المقال. 
لكن أيضاً للتنبه إلى غياب ملاحق الكتب عن صحافتنا المحلية. ليس لا يوجد لدينا صحف متخصصة بالكتب تقوم بعرض منتجات دور النشر وتقييمها وتقدم الجدير بالقراءة فيها، بل أيضاً لا يوجد لدينا ملاحق متخصصة بالكتب في الصحف المحلية ليست أسبوعية؛ على الأقل شهرية. 
يمكن استحضار الكثير من التجارب في دول العالم، وأيضاً يجب التأكيد على مساهمة دور النشر في تطوير مثل هذا الملاحق. 
وغياب ملاحق الكتب غير مقصور على الصحف المحلية والمجلات بل أيضاً يمكن لنظرة على مواقع الانترنت الفلسطينية أن تصيبنا بالدهشة لغياب فكرة مراجعة الكتب عنها. 
والأمر نفسه ينسحب على الكثير من وسائط نشر المعرفة، طبعاً علينا أن نستدرك أن المعرفة ليست في حساب الكثيرين، لكنها موجودة رغم ذلك.
ما اقترحه أن الأمر يستحق مشقة التفكير في سبل تطوير عادة القراءة في المجتمع المحلي التي بدورها ستعني تطوير الكتابة والتأليف والطباعة وترويج الكتاب وصناعة الكتاب بشكل عام، حتى نصل إلى القراءة كعادة. 
والأساس في كل ذلك أن تتضافر الجهود كافة من أجل أن تتحول القراءة من مجرد صدفة أو عادة مقصورة على فئة قليلة إلى ممارسة يومية ومظهر من مظاهر الحياة العادية. هل يقتصر الأمر على القراءة! هناك الكثير الكثير.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد