لم تعُد مقومات الصمود على الأرض الفلسطينية في العقد الأخير صالحة للعيش بكرامة في ظل وجود الانقسام الجغرافي والسياسي المسيطر على أرض الواقع ، في وقت تبخرت فيه أحلام الصغر لتصبح كوابيس الكبر ، فما عاد لدينا طاقة ومقدرة على العيش في ظل وضع اقتصادي متردي يعيش أزمات متلاحقة ومتعاقبة بدءا بالانقسام السياسي وانتهاءً بالأزمات الاقتصادية المترتبة على المشهد السياسي المظلم في غزة تحديداً .

فانعدام البدائل أمام الشعب الفلسطيني من خيارات ديمقراطية جديدة تساهم وتعزز في وجود الانسان الفلسطيني على أرضه ، هي من اوصلتنا الى هذا الحال ، فبات تحقيق لقمة العيش أسمى أماني العديد من الأسر الفلسطينية فالحديث عن الاستقلال ومقاومة الاحتلال وتحرير الأرض والأسرى واللاجئين مرتبه ثانية في سُلم الأولويات الشعبية ، فقد تغيرت معادلات اللعبه على الأرض ومعركة البقاء يلزمها الغذاء الجسدي وليس الروحي ، لأن الواقع لم يتغير منذ عشرة أعوام على قطاع غزة ، الطرقات نفس الطرقات والأزمات تتكرر والمعاناة تزيد وحدود غزة لم تزيد ، " لذا فإن شروط العبودية بحاجة إلي تغيير جذري ، علينا أن نحسن من شروطها " ، ادارة قطاع غزة تعيش هي الاخرى أزمة على صعيدها الداخلي ، مواطني غزة يقاتلون من أجل رغيف الخبز ، في وقت يعيش أكثر من ثلثي شباب القطاع حالة من البطالة والفقر لا يبحثون عن فرص عمل لأنهم لن يجدوها ، بالأمس انظم عدد جديد من الخريجيين الي طابور الطامحين أو العاطلين عن العمل ان صح التعبير الي صفوف البطالة .

ليس لدينا عصا موسى السحرية لتغيير الواقع وان كُنا نطمح للتغير فمن يستحق أن نناضل ونكافح من أجله في ظل انعدام الثقة بالقيادات الفلسطينية التي تعيش بمفردها حالة من البذخ والترف وتجني ثمار الانقسام السياسي والجغرافي أموالا وعقارات ومشاريع استثمارية وغيرها على حساب المواطن الفقير .

طبيعة حياة المواطن أصحبت عبارة عن مجموعة فواتير مطالب بتسديدها كلما هلت بداية شهر جديد ابتداءا من التليفون الي الجوال الي الانترنت ولا ننسى بقال الحارة وبائع الخضار ومصاريف الاطفال اليومية ، لقد بات واضحا أننا ندفع ثمن الصمود على أرض غزة من خلال معابر مغلقة طوال الوقت وحصار خانق فرق طبقات المجتمع الفلسطيني وضرب عقدها الاجتماعي وأصبحنا نعيش حالة هستيرية من انعدام الثقة والمقومات الاجتماعية ، " لو أن الغزالي أو روسو عاش بيننا لاحتار في اختيار طريقة للخروج من هذا المأزق الاجتماعي ، فما عادت لدينا نخوة الماضي والتماسك الاجتماعى مثل ذي قبل السنوات العجاف التي مرت بها غزة ، فقد بحثت في كتب التاريخ عن حالة تاريخية مثيلة لما نعيشه اليوم في غزة للأسف لم اجد ، نحن حقل تجارب لكيفية اذلال الشعوب وتركيعها ، نتعايش مع الازمة ونعيش كل فصولها ونوفر البدائل من اجل استمرار الحياة ، نقف أمام الاحتلال الاسرائيلي نقاتل نجاهد نناضل نحارب بكل المصطلحات بكل اللغات وبكل الامكانيات حتى لا تأخذنا العزة بالإثم ولا نستكين حتى لا يذكرنا التاريخ بأننا خضعنا للاحتلال وتعايشنا معه وبعنا أرضنا له مقابل أن نعيش الحياة الكريمة ، هذا لن يحصل طالما بقيت أنفاس اخر طفل في قطاع غزة .

اذا ما هو المطلوب في ظل تلك المتغيرات وقفة فصائلية لترميم جرح الماضي ام فتح افاق الجوار ام إصلاح داخلي في أروقة السياسة الفلسطينية وتقسيم الكعكة الوطنية بما يتناسب مع كل الأذواق للخروج من مأزق الموت المحتم لمرافق الحياة في غزة .

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد