لم يصمد الإعلان عن الاتفاق بين الحكومة واتحاد المعلمين المضربين عن العمل، والذي أعلن يوم الخميس الماضي طويلا، حيث سرعان ما أعلن المعلمون عن مواصلة الإضراب، يوم الأحد التالي، بل وقالوا إن اتحاد المعلمين الحالي لا يمثلهم، وطالبوا رئيسه بالاستقالة!
في الحقيقة إن إضراب المعلمين الفلسطينيين في الضفة الغربية، رغم انه مظهر طبيعي، حيث انه في كل الدول والمجتمعات، الديمقراطية خاصة، عادة ما تعبر القطاعات والجماعات، بل وحتى المجموعات البشرية عن احتجاجها وعن مطالبها بالطرق السلمية / الاحتجاجية، لكن مع ذلك فان إضراب المعلمين، خاصة خلال الفصول الدراسية ينطوي على آثار ونتائج بالغة الخطورة، ارتباطا بتعطيل العملية التعليمية، وفي الحالة الفلسطينية تتضاعف النتائج والآثار السلبية، نظرا إلى انه أولا ومنذ عام 48 كان التعليم بمثابة تعويض عن النكبة ، حيث فاخر الشعب الفلسطيني العالم بأسره بمستوى ونسبة تعلم أبنائه، وثانيا لأن إضراب المعلمين، الآن وفي هذه الأيام بالذات يجيء في ظل انتفاضة السكاكين الشبابية، وفي ظل تحدي الأسرى للسجان الاحتلالي، لذا فمن النتائج السلبية حرف الاهتمام عن أخبار المواجهة بين الشباب والاحتلال وبين محمد القيق _ مثالا _ وسجانه الاحتلالي.
وهذا لا يعني، مطلقاً، مطالبة المعلمين بالتوقف عن المطالبة بحقوقهم، في الحصول على علاوة غلاء المعيشة وفي تطبيق اتفاقيات سابقة مع الحكومة بزيادة رواتبهم، وما إلى ذلك، بل أولا بإسراع الحكومة بالاستجابة لمطالبهم، أو على الأقل، بالجلوس معهم، وتجاوز «ممثلهم» الذي يبدو انه لم يعد كذلك، والتوصل لإنفاق يرضيهم، وثانيا بان يبحث المعلمون وقادتهم النقابيون عن وسائل أخرى تجنب المجتمع الفلسطيني تعطيل العملية التعليمية، ذلك أن الإضراب يعتبر عادة السلاح الأخير وليس الأول في المعارك النقابية.
مع ذلك يبقى هناك درس مهم جدا في هذا «الحراك النقابي» يدل بوضوح على أن انتفاضة الشباب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، بدأت تؤثر على المجتمع الفلسطيني، وتبث فيه روح الحياة والأمل بتجديد الحيوية في الجسد السياسي الفلسطيني، فليس اتحاد المعلمين إلا مثالا على مجمل الاتحادات والنقابات الشعبية، التي تعتبر احد أهم ركائز م ت ف، فأن «ينتفض» المعلمون في وجه هيكل نقابي ليس له تأثير أو حضور على الأرض، يعني انه لا بد من تجاوزه بكل بساطة، وهذا أمر مبشر، ويشير إلى أن التجديد والانتخاب في كل اتحادات ونقابات م ت ف، من المعلمين للكتاب والعمال، لا بد أن يحدث اليوم قبل الغد، كذلك الأمر نفسه يجب أن ينسحب على الفصائل التي «تقود» بترهل شديد م ت ف والعمل الوطني بأسره، ميدانيا وسياسيا، دون فعالية، بل وفي ظل انقسام وتنافس وتناحر على المكاسب الفئوية، الحزبية / الفصائلية الضيقة، منذ أكثر من عشر سنوات مضت، بما يعني أن الفصائل بالذات، في وضعها، شكلها وطبيعتها الحالية باتت عبئا على القضية والشعب الفلسطينيين، دون استثناء احد!
لا بد من النظر أخيراً إلى أن الحراك الشعبي، أي حراك له وجه ايجابي جدا، بل هو أمر لا بد منه، خاصة في الواقع الفلسطيني، الذي يجب أن يظل حيا وحيويا حتى يمكنه أن يحقق انتصاره في نهاية المطاف على الاحتلال الإسرائيلي، ولكن مع ملاحظة أن يكون الحراك ذكيا، ناضجا وعقلانيا يسعى لمراكمة التطور والتقدم، لا أن يأتي «كفشة غل» أو بشكل اعتباطي، يحرق الأخضر واليابس، مثلا يمكن هنا للمعلمين المضربين أن يظهروا اهتمامهم وحرصهم على العملية التعليمية، بتدارس الأمر وتشكيل اللجان مع وزارة التربية، وان يثبتوا بأنهم يريدون العنب وليس مقاتلة الناطور.
المهم أن تنتشر روح الأمل في صفوف الشعب الفلسطيني فينتفض، بروح الشباب على نفسه أيضا ويجدد من أدواته، وهو ينتفض على الاحتلال، ذلك أن الانتفاضة القادمة _ لا محالة _ ستأتي، ولكن في أوانها ووقتها، وستجيء على صورة أكثر نضجا ووعيا وتطورا، وبتنظيم داخلي جديد ومختلف وشاب، حتى يكون الانتصار على الاحتلال، بعد الانتصار على مظاهر وأسباب وعوامل الضعف الداخلي، أمراً مؤكداً ونهائياً!
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية