تصريحات اللواء ماجد فرج هي تعبير حقيقي عن بؤس الحال، فهي ليست بحاجة لتوضيح، فالشعب الفلسطيني يراقب سلوك الجميع، وإن وضحت بعض التباين في داخل حركة فتح وغياب الإجماع حولها ورفضها من مجموع كبير في فتح برغم محاولات التجميل والتبرير، وأنها جاءت لمنع 200 طفل من تلاميذ المدارس أن يستشهدوا على الحواجز.

فهي أظهرت الوجه الحقيقي للنظام السياسي الفلسطيني وهشاشته وضعفه بقيادته وفصائله، وعجزهم جميعاً عن اللحاق بالشعب الفلسطيني وروحه الوقادة بالمقاومة والتضحيات، ومواكبة تفكيره ومطالبه ومبادراته في النضال ضد الإحتلال كلُ بطريقته وبوسيلته المتاحة، وما يملك من قدرة وقوة وقناعة بالمقاومة سليمة وغير سلمية، وهي حق مكفول للجميع. وما شاهدناه من مبادرات شبابية وغير شبابية بتحدي الإحتلال في التبرع بإعادة بناء منازل الشبان التي هدمتها قوات الإحتلال خير دليل على روح الشعب الفلسطيني وقدرته على البذل والعطاء وغياب القيادة عن القيام بدورها، وهم يمرون بظروف إقتصادية صعبة. أظهرت التصريحات عدم قناعة ورضا القيادة بهبة الشبان التي تحولت لعمليات طعن بالسكاكين والدهس وبعض حالات إطلاق النار، فالقيادة تخلت عن ما تدعوا له، فهي من خلال موقفها الغامض تدعوا للمقاومة السلمية ولا أثر لأي مقاومة سلمية جماهيرية، باستثناء ما يسمى بالمقاومة القانونية والسياسية والدبلوماسية التي تمارسها القيادة فقط ولا إجماع خلفها، وتركت الشبان يقدمون التضحيات وحدهم وسمحت لإسرائيل بالاستفراد بهم وارتكاب الجرائم بحقهم.

تصريحات فرج لا علاقة لها بحرب خلافة الرئيس محمود عباس في حركة فتح كما يشاع، هي تعبير عن رؤية وبرنامج القيادة الفلسطينية وتمسكها بالعلاقة مع إسرائيل، وتأكيدها على ذلك بعدم السماح بانهيار السلطة فهي إنجاز وطني، وهذه ترجمة فعلية عن عدم تخلي القيادة عن برنامجها ورؤيتها بما في ذلك التنسيق الأمني، برغم ما ذكر عن التهديد بالتنصل من بعض الاتفاقيات مع إسرائيل.

وما شاهدناه وسمعناه في لقاء الرئيس مع عدد من الصحافيين الإسرائيليين وبعض ممثلي وسائل الإعلام الإسرائيلية وغالبيتهم ينطلقون من رؤيتهم، وارتباطاتهم الأمنية، وإصراره على مخاطبة المجتمع الإسرائيلي بهذه الطريقة المقيتة وجربناها مرارا، وكأنها استجداء، ومحاولات التواصل التي إستمرت شهرين مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ومماطلته بل إنكاره لها، هو أيضاً دليل على قناعات الرئيس ورؤيته.

التصريحات جاءت أيضاً لتظهر خوف الفصائل من السلطة وعدم القدرة على الالتصاق بالناس وتفهم روح المقاومة فيهم، ومعاناتهم والحال الكارثي الذي يعيشونه، وتطلعات الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة والمشاركة فيها، وعدم الرضا عن سلوك الفصائل، وموقفها المرتبك من عمليات طعن السكاكين وترك الشبان وحدهم ومصيرهم، وحقهم بمقاومة الإحتلال، وقدراتهم على الفعل.

وهي تأتي في ظل إثارة بعض المسؤولين والمثقفين بان سلوك الأطفال هو نتيجة للتحريض الذي تمارسه بعض الفصائل وأنهم ضحية له ويضحون بأرواحهم من دون التفكير بحساب الربح والخسارة، وكأنهم يتماهوا مع دعاية الاحتلال الرخيصة، ونسوا أنهم جزء من شعب يعاني الاحتلال وأرضه تهود وتسرق ومن حقه المقاومة، فهذه هي روح الشعب لمقاومة الإحتلال ومشاريعه، ويشاهدون بأعينهم مصادرة الأراضي وتربوا تحت حراب وبطش المستوطنين وجرائم الاحتلال والاعتقالات والحواجز وتهويد القدس . ومن متى كان التحريض على مقاومة الاحتلال تهمة وطنية؟

تصريحات جاءت وكأنها التأسيس لمرحلة جديدة قادمة للاستمرار في العلاقة مع الإحتلال وعدم تنفيذ ما قررته المؤسسات الفلسطينية و تحدي لروح الناس الذين تحدوا الاحتلال والقتل، ويحلمون بغد ومستقبل أفضل وبعدالة ودولة وحرية.

لماذا لم يكن تصريح اللواء فرج مصارحة للكل الفلسطيني وفي سياق وطني ودعم إنتفاضة شعبية وتبنيها بدون خوف وتأتأة؟

الشعب الفلسطيني أثبت انه ليس مغيب، وهو مريض بداء المصارحة والشفافية وغياب الحوار والنقاش الهادئ، من أجل توحيد نظامهم السياسي، فمقاومتهم أيضاً غير موحدة وعفوية ومن دون إستراتيجية وطنية جامعة، وهي تعبير عن رد فعل ويدفع الناس ثمن ذلك ونعيد تجربة المجرب، ومن دون إستخلاص العبر وموازين القوى والظروف الذاتية والموضوعية، وعنصرية الإحتلال وفاشيته.

فالمقاومة سواء تلك المسلحة أو السلمية السياسية والقانونية، أو هبة السكاكين، فهي أيضاً عفوية ونتاج إحباط ويأس الشبان والصبية من سلوك القيادة والفصائل، وبدون توافق وطني وتخطيط. لماذا لا يكون التفكير جمعي والاتفاق جمعي على المقاومة بكافة الوسائل المتاحة، وعدم إسقاط أي خيار منها من دون استئثار وتفرد أي طرف.

ولماذا لا يكون الإتفاق على إستراتيجية لمقاومة وطنية شعبية، ونحن نرى بعض الثمار من خلال المقاطعة وغيرها من الوسائل السلمية والمدنية التي تفضح نظام الفصل العنصري الفاشي.

الفلسطينيون مصرون على تكرار تجارب الماضي وعدم التوقف مع الذات والمراجعات النقدية، وأصبحت لغة التخوين والأحكام المسبقة هي السائدة، فكل ما يجري يدعو للشك وغياب اليقين، وتصريحات فرج نابعة من صراحة الرئيس مع الصحافيين الإسرائيليين.

ماذا لو فتح الرئيس عباس بصفته حوارا وطنياً فلسطينياً صريحاً وورشة عمل وطنية للخروج من الكارثة التي نعيش، واطلاعنا على ما يفكر به ورؤيته والاصطفاف حول قضيتنا، فالحوار والتوافق هما الوسيلة الوحيدة لإعادة الإعتبار لمشروعنا الوطني وتقليل الخسائر وإجبار الإحتلال على دفع الثمن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد