السؤال الذي يؤرّق جموع الشعب الفلسطيني في كل مكان: لماذا طالت هذه الثورة ولم تنتصر بعد؟
ولماذا ما زلنا في وسط هذه المعاناة بعد اكثر من قرن كامل من الصراع؟
أين تكمن المشكلة؟
هل نحن كشعب نتحمل مسؤولية ذلك بالرغم من كل التضحيات؟
هل تتحمل قياداتنا التقليدية ثم الوطنية المسؤولية الأولى والأخيرة عن تعثر مسيرة التحرر والتحرير؟
بمعنى آخر، إذا كان لدينا مسؤولية كشعب وقيادة بهذه الدرجة أو تلك وبهذا القدر أو ذاك، فماذا فعلنا بهدف تجاوز المشكلة وأين تكمن الإعاقات التي حالت دون اضطلاعنا بهذه المسؤولية.
أم ان الأمر لا يتعلق بالأساس بالقصور الذاتي الفلسطيني وأن المشكلة تكمن أصلاً وقبل كل شيء بالخلل الخطير في توازن قوى هذا الصراع الذي يحتدم منذ ما يزيد على قرن كامل؟
تصوروا معي جدلاً لو أن قيادتنا على مدى مئة سنة كانت في قمة الوعي والإدراك والمعرفة وان شعبنا كان في أعلى صورة ممكنة من الاستعداد والتنظيم وفي أرقى أشكال الوحدة والتلاحم.
تصوروا لو أن تضحيات هذا الشعب كانت دائماً على أعلى مستوى وبأرقى الوسائل وأنسبها وأكثرها فعالية وتأثيراً، فهل كان الأمر سيؤدي حتماً للتحرير والتحرر والانتصار؟
دعونا نتصور (كما قال لي أحد القادة السياسيين الأجانب) إن ياسر عرفات كان هو شي منه أو ان جورج حبش هو فيدل كاسترو أو ان نايف حواتمة هو الجنرال جياب أو ان بشير البرغوثي كان تشي جيفارا فهل كنا سننتصر حتماً؟
أظن أن هذه الدعوة للتصور تهدف إلى لفت الانتباه إلى أمرين أساسيين:
الأول: علاقة الذاتي والموضوعي في تاريخ وواقع ومستقبل القضية الوطنية الفلسطينية أمر يحتاج إلى مراجعة ويحتاج إلى تمحيص برؤى جديدة وجادة.
أما الثاني: فيتعلق بجوهر فهمنا للمشروع الصهيوني وجوهر قدرتنا على رؤية نقاط ضعفه الاستراتيجية.
لم يكن بمقدور الشعب الفلسطيني وحده وفي ظل ضعفه وهشاشة واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالمقارنة مع قوة المشروع الصهيوني أن يمنع النكبة ، وقناعتي أن أقصى ما كان بمقدوره أن يفعل هو إعاقات مؤقتة لتحقيق ذلك المشروع على الأرض، أو لنقل إن أقصى ما كان بمقدور الشعب الفلسطيني أن يفعل هو التقليل من حجم خسائره وزيادة كلفة تجسيد المشروع الصهيوني على أرض الواقع.
وفي قناعتي أيضاً أن تمدد المشروع الصهيوني من زاوية التوسع والعدوانية كان يمكن محاصرته وإيقافه عند «حدود» الدولة الإسرائيلية (ما وراء الخط الأخضر) لو أن كل العالم العربي زجّ بإمكانياته مع الشعب الفلسطيني لتحقيق هذا «الهدف» وهذا ربما يكون أقصى ما كان ممكناً تحقيقه.
أما وان العالم العربي لم يقم بذلك أبداً بل وربما ان العالم العربي قد لعب في مراحل تاريخية دوراً مسهلاً لقوة المشروع الصهيوني على الأرض، وهو الأمر الذي يعني استحالة وقف تمدد ذلك المشروع بل واستحالة منعه من التموضع في مركز القوة الأولى القادرة على التحكم والسيطرة والهيمنة في واقع الأمر.
هذا كله إذا كان الأمر يتعلق بالوضع الفلسطيني والعربي. فكيف كان وضع الحالة الدولية على مدار هذا القرن؟
وكيف لعب الدور الدولي ما لعبه في تحديد مصير القضية الفلسطينية حتى الآن؟
الحقيقة أن الوضع الفلسطيني على هشاشته وضعفه والوضع العربي على عجزه وتخاذله لا يقارن (من حيث درجة السوء) بالوضع الدولي!
إذ تعود فكرة إقامة المشروع الصهيوني في أرضنا إلى الإنجليز قبل أن تتبلور لدى اليهود أنفسهم.
ففي عام 1840 أرسل رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون إلى سفيره في إسطنبول قائلاً: «فإذا عاد الشعب اليهودي.. فسيكون في هذا حائلاً بين محمد علي ومن يخلفه وبين تحقيق خطته الشريرة في المستقبل» (انظر، نصري خضر الطرزي، القضية الفلسطينية بالرسم والكلمة، عمان 1997، الصفحة 11).
والمقصود هنا هو إجهاض بناء أول دولة عربية قومية بعد أن طرد محمد علي العثمانيين من الشام ووحدها مع مصر قبل أن ينتصر العثمانيون والبريطانيون عليه.
إذن، كانت بريطانيا ترى في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين أمراً ضرورياً لمنع قيام الوحدة بين الشام ومصر.
ولمجرد أن الوسيط الدولي اقترح أن يكون النقب جزءاً من الدولة العربية في حالة التقسيم فقد تم اغتياله بعد عدة ساعات فقط من نشر التقرير (انظر نفس المصدر ونفس الصفحة) والسبب هو أن النقب إذا بقي في إطار حدود الدولة الفلسطينية (والتي كانت تسمى الدولة العربية آنذاك) فإن إمكانية الوحدة بين مصر وبلاد الشام تبقى قائمة.
وفكرة إعطاء فلسطين لليهود كانت قد راودت نابليون نفسه بعد هزيمته على أسوار عكا.
الغرب كله كان له مصلحة استراتيجية بمنع وحدة العرب وعدم تمكين الجغرافيا العربية من التواصل، وفلسطين هي المكان الوحيد والفريد والأوحد والأهم لتحقيق هذه الأهداف الاستعمارية. وليس الموقف الأميركي فيما بعد سوى استمرار للموقف الاستعماري الغربي من فلسطين ومكانتها وموقعها وأهميتها في إطار المصالح الغربية في هذه المنطقة.
فهل كان منتظراً من الشعب الفلسطيني أن يجابه كل هذه الصعوبات وينتصر عليها....!!!؟.
في نهاية المطاف الانتصار مؤجل، الظروف الموضوعية ودور العامل الذاتي هو في انضاج هذه الظروف.
وإذا كانت إسرائيل قد نشأت وتطورت وتفوقت بفعل الدعم الغربي المطلق والضعف العربي المطلق فلسوء حظها أن هذه العوامل مؤقتة في التاريخ، وهذا هو المأزق الاستراتيجي الأكبر والأهم لإسرائيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد