في مقابل سياسة حركة الإخوان المسلمين الخاطئة تجاه تبلور الهوية الفلسطينية، سجل كل من الشيخ عبد الله نمر درويش مؤسس الحركة الإسلامية في بداية الثمانينات، داخل مناطق  1948، مبادرته المتأخرة نسبياً في تأسيس الحركة الإسلامية التي لعبت دوراً حيوياً في العمل على استعادة الهوية الفلسطينية وإبرازها، والاهتمام بالقومية العربية، وتعزيز العقيدة الإسلامية، لأبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وهي الحركة التي أدت في الآونة الأخيرة دوراً أساسياً في تصعيد الكفاح ضد محاولات المستوطنين وحكومتهم اليمينية، لفرض التقسيم الزماني والمكاني على الحرم القدس ي الشريف والمسجد الأقصى. 


أما المبادرة الثانية والمهمة فقد كانت للشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية « حماس » عام 1987، الذي حول حركته بعد نحو عقد من الزمان الى فصيل فلسطيني مقاوم أدى دوره الطليعي في مقاومة الاحتلال وقام بتسديد ضربات موجعة له، أرغمت شارون على ترك قطاع غزة ، بعد تفكيك المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال الإسرئيلي، من شهر أيار إلى شهر آب عام 2005، وكانت هذه سابقة غير مسبوقة في تاريخ الاستيطان اليهودي في ارض فلسطين. 


وهكذا فان الشيخ عبد الله نمر درويش، وخليفته الذي انشق عنه الشيخ رائد صلاح، وكذلك الشيخ أحمد ياسين، اعتبروا جميعا، على هذا النحو او ذاك، من اتباع حركة الإخوان المسلمين وامتداداً لها، وهنا تكمن قيمة وأهمية ما قام به هؤلاء، ليس فقط تعبيراً عن مشاركة التيار الإسلامي في الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني، بل في كونهم امتداداً لأكبر وأهم حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي، حركة الإخوان المسلمين، بما توفره قيادة الجماعة الاخوانية من دعم معنوي ومادي، وحشد تعبوي، وتحريض سياسي لصالح نضال الشعب العربي الفلسطيني، ولصالح مشروعه الوطني التحرري التعددي، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني. 


وعليه فقد بات لامتداد حركة الإخوان المسلمين العابرة للحدود والجنسيات، ومنذ نحو ربع قرن على الاقل، عنوان كفاحي طويل عريض داخل فلسطين، أولهما بقيادة الشيخ رائد صلاح في مناطق 48، وثانيهما بقيادة خالد مشعل في قطاع غزة، على وجه الخصوص، إضافة إلى تنظيم الجهاد الإسلامي .


 وفي كل الحالات، فان حركة حماس وحركة الجهاد، باتتا تعبران عن العنوان الإسلامي في النضال الفلسطيني، وتمثلان المرجعية الإسلامية في هذا النضال التحرري التعددي، وذلك إضافة إلى طرفي الحركة الإسلامية داخل مناطق 48، الأولى بقيادة رائد صلاح، والثانية مرجعيتها الشيخ عبد الله نمر درويش ويقودها رئيسها المنتخب حماد أبو دعابس، وهما جناحان تكونا بعد أن وقع الانشقاق في الحركة الام عام 1996 على اثر الخلاف حول مشروعية المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي من حيث المبدأ، اذ رفض الجناح الأول المشاركة في الانتخابات لأنها تنطوي على الإقرار بشرعية مؤسسات الدولة الإسرائيلية واعترافا بها، فيما فضل الجناح الثاني، وفقا لقراءته واجتهاده، المشاركة في انتخابات الكنيست بانتظام، ولديه في الكنيست الحالية ثلاثة نواب يمثلون الحركة الإسلامية ضمن القائمة البرلمانية المشتركة، المكونة من ثلاثة عشر نائباً يمثلون الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، وهي في الواقع عبارة عن تحالف يضم أربعة أحزاب فاعلة بين الفلسطينيين وهي :  
1- الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ولها خمسة نواب .
2- الحركة الإسلامية ولها ثلاثة نواب .
3- التجمع الوطني الديمقراطي وله ثلاثة نواب .
4- الحركة العربية للتغيير ولها نائبان .


على اي حال، فقد دفعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس )، وهي أبرز وأهم المكونات في هذا التيار، ثمناً باهظا في ربع القرن المضي، وذلك عبر مساهماتها الكفاحية المشهودة في مواجهة الاحتلال، بارتقاء العديد من قياداتها شهداء، جراء سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال الإسرائيلية، بدءاً من مؤسس الحركة نفسه الشهيد الشيخ أحمد ياسين، الى جانب قيادات من الصف الأول مثل عبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وسعيد صيام ونزار ريان وغيرهم، الامر الذي جعل لهذه الحركة مكانة متقدمة في قيادة النضال الوطني، وذلك على الرغم من تأخر تشكيلها في نهاية الثمانينات مقارنة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، التي تشكلت في بداية الستينيات وأواخرها .


 ومع ذلك فحينما شاركت حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية عام 2006، حصلت على 430 الف صوتا مقابل 410 آلاف صوت لحركة فتح، وبمجموع ما حصلت عليه 74 مقعداً مقابل 45 مقعداً لحركة فتح وثلاثة مقاعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومقعد واحد لكل من الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي، ما يعكس مدى انحياز الفلسطينيين أبناء الضفة والقدس والقطاع لحركة حماس، ومدى الإمكانات التي المتوفرة لها كي تحتل موقعاً متقدما لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما اهلها لقيادة المرحلة، عبر تكليف إسماعيل هنية رئيساً للوزراء، وتسمية الدكتور عبد العزيز دويك رئيسا للمجلس التشريعي واحمد بحر نائبا لرئيس المجلس. 


كما جاءت المشاركة السياسية للحركة الإسلامية في مناطق 48، لاول مرة عام 1996 عبر التحالف مع الحزب الديمقراطي العربي بقيادة عبد الوهاب دراوشة، في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، من خلال القائمة العربية الموحدة، ونجاحها بنائبين في ذلك الوقت، ما يدلل على أهمية مشاركة التيار الإسلامي في النضال الجماهيري والبرلماني والبلديات والنقابات الفلسطينية، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 . 


h.faraneh@yahoo.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد