لا معنى للزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية جون كيري الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فما جاء به يدل على ان السياسة الأميركية إما ان تكون قاصرة عن فهم رسالة الانتفاضة والرسائل التي اطلقها الرئيس محمود عباس ، واما انها اي السياسة الأميركية كانت بحاجة لتجديد التزامها بدعم إسرائيل.
اذا كان البعض يأخذ على الانتفاضة غياب او غموض الهدف وغياب القيادة التنظيمية، ضعف دور الفصائل الفلسطينية إزاء تطويرها، وتوسيع دائرة نشاطاتها، فإن الرئيس محمود عباس كان واضحا في تأكيد الرسالة الفلسطينية حين تحدث عن فرصة ربما تكون الأخيرة، وعن ان الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على القبول بقواعد اللعبة بشروط الوضع الذي سبق الانتفاضة.
كان على الإدارة الأميركية، وكل طرف يعتبر نفسه مسؤولا في المجتمع الدولي، ان تفهم ويفهم الكل ان الانتفاضة كانت صرخة قوية ومدوية في وجه الكل. هي تمرد على سياسة الاحتلال، وإجراءاته الإرهابية العنصرية ومخططاته التوسعية وهي رفض لكل شروط العلاقة التي سادت بين الجلاد الإسرائيلي والضحية الفلسطيني.
والانتفاضة تعبر عن رفض لاستمرار واقع الانقسام الفلسطيني، والوهن الذي أصاب الحركة الوطنية، وتعبر عن الحاجة لتغيير المسارات المختلفة التي اعتمدتها القيادات السياسية الفلسطينية خلال المرحلة السابقة وتميزت جميعها بالفشل. والانتفاضة هي صرخة في وجه الأشقاء العرب وفي وجه الإقليم، هؤلاء الغارقون في صراعاتهم وانقساماتهم، ومخاوفهم ومصالحهم الأنانية، التي تجعلهم منشغلين عن قضيتهم المركزية، ما يشير الى تدني الوعي العربي ازاء اساس الصراع، الذي يعانون من تداعياته.
الانتفاضة هي صرخة مدوية على السياسة التي تديرها الولايات المتحدة التي تؤكد يوما بعد آخر، ان معيار الحكم على هذه السياسة هو بمقدار التزامها بأمن وحماية إسرائيل، وهي صرخة في وجه التجاهل والتواطؤ الأميركي الغربي لتداعيات استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والأطماع الاسرائيلية.
لو ان كيري وإدارته فهم هذه الحقائق لكان وفر على نفسه عناء السفر الطويل، وكان يكفي للتظاهر بأن إدارته تبدي اهتماما كاذبا، بأن يفعل ذلك عبر الهاتف.
لماذا تصر إدارة الرئيس باراك اوباما على ان تؤكد الفشل في كل ما تقوم وتفكر به إزاء ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، لقد فشل كيري في إلزام حكومة نتنياهو بتنفيذ التفاهمات التي اشرف عليها بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والعاهل الأردني الملك عبد الله، بشأن المسجد الأقصى، وها هو يفشل من جديد مهما كان الهدف الذي جاء من اجله ان كان تهدئة الوضع، او استئناف المفاوضات.
تجربة التفاهمات الخاصة بالمسجد الأقصى ماثلة للعيان، اذ لم تلتزم بها إسرائيل ولو ليوم واحد، ما يعبر عن وحدة الحال بين السياسة الرسمية وأهدافها وسياسة وأهداف المستوطنين والجماعات اليهودية المتطرفة التي لم تتوقف عن اقتحام المسجد الأقصى يوميا قط.
لا يريد مسؤول في مستوى وزير الخارجية الأميركية ان ينتبه الى ان اسرائيل تتعمد في كل مرة يقوم بها كيري بزيارة للمنطقة، تتعمد إسرائيل الإعلان عن إجراءات وخطوات تجعل مهمة حليفها الأميركي فاشلة بامتياز.
في هذه المرة لا يتوقف الأمر على جملة الإعلانات الاستيطانية التي تقول اميركا انها غير شرعية دون ان تفعل شيئا وإنما تبادر إسرائيل الى اتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات العقابية الإرهابية التي تتميز بالعنصرية، وتشكل وصفة سحرية لاستمرار وتأجيج المواجهة.
لو كان لدى وزير الخارجية الأميركي بعض الحياء، وبعض الشعور بالمسؤولية لما جاء حاملاً لأفكار تدعم مشروع السلام الاقتصادي الذي تلتزمه حكومة نتنياهو بينما تصوت في الامم المتحدة مئة وواحدة وسبعون دولة الى جانب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
العالم كله في اتجاه يدعم الحق الفلسطيني والولايات المتحدة تبحث عن رضى دولة احتلال ارهابي عنصري مخالف لكل قوانين وقيم الدنيا، فهل بقي لدى اي فلسطيني او عربي لسان يبرر استمرار المراهنة على شيء من النزاهة الأميركية؟
على كل حال اظهر الشبان في الميدان وعيا للحقائق اكثر من وعي الإدارة الأميركية، حيث انهم صعدوا قبل يوم وصول كيري، من قدرتهم على مجابهة الإرهاب الإسرائيلي المتصاعد، الانتفاضة مستمرة والأجدر بالفلسطينيين ان ينشغلوا في تكريم الانتفاضة، من خلال إعادة ترتيب البيت.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد