في خطوة غير مألوفة، نشر جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الشاباك، تقريراً تفصيلياً حول عمليات الطعن التي يقوم بها الفلسطينيون المنتفضون التي سادت أعمال المواجهات الشعبية الفلسطينية خلال الأسابيع الماضية مع الاحتلال الإسرائيلي، تقرير مزود بأرقام ونسب رقمية محددة، عن أعمال الطعن وأعمال الدهس، نسبة الإناث إلى الذكور، ونسبة كل مدينة فلسطينية إلى المجموع العام من أعمال المواجهة، تقرير أولي بالاهتمام من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية، كونه يشير من وجهة نظر استخبارية إسرائيلية، إلى الطريقة التي تحاول من خلالها، تسويق رؤيتها إزاء انتفاضة الكرامة الفلسطينية، والإيحاء بوسائل المواجهة الإسرائيلية التي تهدف إلى وقف الانتفاضة أو على الأقل التأثير على عنصرها الأساسي، الشباب والشابات، بهدف ثنيهم عن الاستمرار، مع ذلك فإن هذا التقرير، من الممكن أن يكون مفيداً للاعتماد على ما جاء فيه، ولكي يستثمر من الجانب الفلسطيني إذا ما تم التفاعل معه بمهنية عالية، ذلك أن هذا التقرير خلص إلى السبب الأساسي وراء انطلاق الانتفاضة الثالثة، إذ يشير الى أن وراء ذلك أسباب لا بد من الاعتراف بها تنحصر أساساً، بالظلم القومي والاقتصادي، ولأسباب جانبية: التحريض والعوامل النفسية، وباعتقادنا أن قناعة هذا الجهاز الاستخباري، بأن السبب الجوهري وراء انطلاق الانتفاضة الثالثة، لا يعود إلى تفاصيل سلوكية هنا وهناك، بل في جوهر هذه الأسباب الاحتلال، باعتباره أداة للظلم القومي والاقتصادي.
وبطريقة غير مباشرة، فإن هذا التقرير يرد على بعض الآراء التي حاول بعض فقهاء السياسة والإعلام في إسرائيل تسويقها في مواجهة الدعوات المتزايدة، لتسوية سياسية على الملف الفلسطيني عملاً بمقولة رابين: هم هناك ونحن هنا، هذه الآراء، تتمسك بعدم الانهماك بعملية سياسية تؤدي إلى دولة فلسطينية، مهما كان شكل هذه الدولة، حجتهم في ذلك، أن دولة ثنائية القومية لا يجب أن تخيف إسرائيل، يقول هؤلاء: نحن نعيش فعلاً في دولة ثنائية القومية منذ 67 عاماً مع "عرب إسرائيل" نحن خبراء في قمع الأقليات وطردهم من المجال العام وسلب حقوقهم وشرعيتهم.. التقرير المشار إليه، يرد على ذلك، بالقول إن استمرار الاحتلال، يعني استمرار الطعن والدهس!!
لكن "الاحتلال" يتخذ شكلاً قسرياً من أشكال "الضم" ما يحيل الأمر إلى شكل من أشكال ثنائية القومية، أصحاب الرأي الأول يقولون إن "هذا الوضع" استمر منذ عشرات السنين ولم تحدث الكارثة، هنا وهناك عمليات عسكرية، عدة عشرات من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، طوق على مليوني غزي، عدة آلاف من الأسرى الفلسطينيين... هذا الوضع أفضل بالتأكيد لإسرائيل من حل سياسي تقوم على أساسه دولة فلسطينية مجاورة!!
هذا على مستوى ما أشار إليه تقرير الشاباك ودلالاته المباشرة وغير المباشرة، إلاّ أن هذا التقرير ربما شجع بعض وسائل الإعلام على التركيز على جانب بالغ الأهمية، والمتعلق بصحة اتهامات الجانب الفلسطيني، من أن هناك تزويرا إسرائيليا في أرقام الطعن والدهس، ففي حالات الدهس، تبين ـ وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية مصورة ـ أن إحدى التهم الموجهة إلى مواطن فلسطيني بمحاولة دهس، تبين أن الأمر يتعلق بانفجار الوسادة الهوائية للسيارة، مع ذلك واصلت أجهزة الأمن الإسرائيلية الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بمحاولة دهس متعمد، أما فيما يتعلق بحالات التزوير الإسرائيلية حول عمليات الطعن، فالأمر انطوى على "نكتة" رددتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ذلك أن الإسرائيليين يضعون بجانب الجريح أو الشهيد الفلسطيني المصاب برصاص قوات الاحتلال سكيناً من صناعة "ألمانية" بينما يرد الفلسطينيون، في ضرب من السخرية، إن السوق الفلسطينية مليئة بالسكاكين الصينية، ولا يتأتى لهم الحصول على مثل هذه السكاكين الألمانية!!
إلاّ أن أفضل من تناول مسألة "السكين" هي الصحافية عميرة هس في "هآرتس"، فهي تقول في مقالة نشرتها مؤخراً على أن هناك بالقرب من كل حاجز ومدخل مستوطنة توجد كاميرات حماية، صحيفة "هآرتس" طلبت من متحدث الجيش رؤية الافلام التي تم تصويرها لحالات الطعن، إلاّ أنه لم يرد(!) وتشير "هس" في مقالتها المطولة إلى أحداث عديدة، تشكك من خلالها بأقوال الناطق العسكري الإسرائيلي، مؤكدة ما ذهبت إليه بوقائع دقيقة وتفصيلية تفضح المستوى الواسع من عمليات التزوير الإسرائيلية لتبرير عمليات القتل بلا مبرر على الاطلاق، مستندة، أيضاً، إلى تقارير أوردتها "أمنستي" بهذا الخصوص عَبر تحقيقات من شهود عيان.
تقول عميرة هس، إن عبارة "أين السكين" يرددها الجنود بصوت عال ومسموع بوضوح إثر كل عملية قتل متعمد لفلسطيني عابراً للسبيل، إذ إنه لا يحمل سكيناً ولا ينوي الطعن، غير أن تهمة الطعن أو محاولة الطعن، تتغطى بالسكين الذي بحوزة "الدورية" الإسرائيلية أو الحاجز الذي يقوم بعملية القتل على هُويّة شكل عابر السبيل، الذي في بعض الأحيان لم يكن فلسطينياً.. وهذا ربما يتم تناوله في مقال لاحق!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية