rn

المحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل في تعليقه على إستعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة إنتفاضة متواصلة قال: "إن إحدى الصعوبات في مواجهة الانتفاضة الحالية، لا تتصل بـ "هزيمة الإرهاب"، وإنما بمركبيها التقليديين، في عقيدة الأمن الإسرائيلية، حسبما صاغها دافيد بن غوريون: "الإنذار والردع".
هذه هي العقيدة الصهيونية "عقيدة الجدار الحديدي" التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ النكبة وحتى الآن، وهي مستوحاة من أفكار زعيم اليمين الصهيوني زئيف جابوتينسكي، وتعني أنه يجب توجيه الضربات المتواصلة للفلسطينيين حتى يستسلموا ويسلموا بوجود إسرائيل، وأنه لا جدوى لمقاومة الإحتلال والنضال ضده. وهذا ما تقوم به إسرائيل من خلال إستراتيجيتها الأمنية لإستكمال مشروعها الصهيوني، وبرغم الإرهاب والقتل المستمر فشلت في تطبيقه وكي الوعي وردع الفلسطينيين، وما نشاهده خلال الانتفاضة المستمرة من جرائم القتل والهمجية، تحاول الإستمرار بتنفيذه ببشاعة أكبر ضد الفلسطينيين في مقاومتهم للإحتلال وتكبيده خسائر فادحة.
وحسب ما ذكر هرئيل، تشير تقديرات إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتفعيل خطط ومقترحات بنشر نحو 70 كتيبة احتياط بدءا من مطلع كانون الثاني/ يناير العام 2016 في الضفة الغربية، و نشر عشرات الآلاف من الجنود في نشاط عملاني لم يخطط له مسبقا بهدف القيام بنشاط عملاني في الضفة، وبتكلفة تقدر بـ300 مليون شيكل، مع انه على إثر عملية ايتمار في نابلس نشر 4 كتائب، و بدأ بتنفيذ مقترحاته الإضافية لمواجهة انتفاضة متواصلة بإرسال أوامر تجنيد، وصلت الأسبوع الماضي، إلى الجنود في 4 كتائب احتياط.
ومن ضمن المقترحات نشر شبكة أخرى من كاميرات الرصد، خاصة في الشوارع والمحاور المركزية في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، والتي قد تتيح المعاينة المسبقة لمحاولات تنفيذ عمليات.
و متابعة الإنترنت، والادعاء القائم أن جزءاً أساسياً من "التحريض" يتم عن طريق شبكة الإنترنت، ما يتيح تراكم "إشارات مسبقة" لنوايا شبان صغار تنفيذ عمليات، و متابعة أفضل لشبكات التواصل الإجتماعي الفلسطينية، مع ان قوات الاحتلال نفذت اعتقالات لشبان بذريعة التحريض والنية على تنفيذ عمليات.
إسرائيل عمليا تقوم بكل ذلك لكنها الآن تفعل تلك الإجراءات بشكل أكبر، و الجيش قام بتنفيذ تلك الإجراءات منذ بداية الشهر الماضي خاصة في مدينة القدس، تفعيل قوانين ومحاولة نتانياهو تفعيل محاكم عسكرية خاصة كالتي كانت قائمة والتفتيش الشخصي و تشديد العقوبات الجماعية في القدس، وتطبيق العقوبة الدنيا لراشقي الحجارة والغرامات العالية، و الإعتقالات اليومية، حتى شريط الفيديو المسرب الذي ظهر فيه محققين من الشاباك تعنيف وتعذيب وترهيب الطفل احمد مناصرة يأتي في سياق الردع.
بالإضافة إلى مصادقة المحكمة العليا على قرارات هدم منفذي العمليات بعد سنوات من رفض قضاة المحكمة العليا والأجهزة الأمنية ذلك، لاعتقادهم أنه عقاب وليس ردع، وما جاء في قرار الحكم الذي أصدرته قاضية المحكمة العليا الخميس 12/11/2015، مريم نأور، دليل إضافي على ذلك، والتي رافقتها حراسة مشددة في الأسبوعين الماضيين بعد التهديدات التي تعرضت لها عندما قررت عدم السماح بهدم منازل منفذي العمليات، وكان القرار أن "عملية هدم المنازل مسموحة لأنها أسلوب ردع وليس عقاب"، و إعتبرت والقضاة الذين كانوا معها في الجلسة أن الردع في هذه الحالة يعتبر ذريعة مقبولة في المحكمة".
إسرائيل مستمرة في تنفيذ عقيدتها الأمنية بالردع وفرض العقوبات الجماعية فهي لا تزال تعيش حالة من القلق والإنكار وحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، و ما التضليل والتناقض القائم بين تقديرات الأجهزة الأمنية والجيش، ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو حول الإنتفاضة، وسبب إندلاعها، والقول بان "الإرهاب ينبع من الرغبة في القضاء على إسرائيل، وليس من الإحباط نتيجة عدم التقدم في العملية السياسية".
وما ذكرته الوثيقة التي أعدها الشاباك و نشرت الأسبوع الماضي، والتي تحاول تحليل نماذج منفذي العمليات، بدون القول إن الاحتلال هو السبب، و ادعت أن "المحفزات نابعة من إحساس بالإضطهاد القومي والاقتصادي والشخصي، ومن مشاكل شخصية ونفسية". بالإضافة إلى وثيقة الشاباك ما قاله الأسبوع الماضي رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش، هرتسي هليفي إن "أحد أسباب الإرهاب الحالي هو الإحساس بالغضب والإحباط في وسط الفلسطينيين، وخاصة الأجيال الشابة الذين يشعرون أنه ليس لديهم ما يخسرونه".
هذا التضليل والتناقض قائم على خدمة العقيدة الصهيونية كل بطريقته و الاستمرار في قتل الفلسطينيين وإنكار حقهم في وطنهم، وعدم إدراك إسرائيل و فهم حقيقة وقدرة الفلسطينيين على الفعل ومقاومة الاحتلال بكل ما يملكون حتى وهم منقسمون، وان وتيرة وتصاعد الانتفاضة، وإن أخذت الطابع الفردي والثأري، و يبقى السبب الرئيس هو الاحتلال، وما يؤكد ذلك تحليلات القائمة على تحقيق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن الذين نفذوا عمليات أوضاع عائلاتهم الإقتصادية جيدة، و هم شبان صغار يعملون لوحدهم وغير منظمين في صفوف أي تنظيم، وليس لديهم أي ماض أمني، ما يعني أن أساليب إحباط العمليات التقليدية ليست ذات صلة.
إسرائيل برغم مراهنتها على قوتها وإستراتيجيتها وعقيدتها الأمنية وعدم إهتمام المجتمع الدولي بما فيه الكفاية وصمته، وما يجري في المنطقة العربية خاصة سورية والعراق من ذبح يومي، بدأت تدرك التكلفة العالية والثمن الذي دفعته خلال الأسابيع الماضية من عمر الإنتفاضة، فهي تزيد من اتخاذ الخطوات الوقائية.
وتبقى الخشية قائمة من تنفيذ المقاومة عملية عسكرية كبيرة تدفع إلى تدهور الأوضاع بشكل أخطر مما هي عليه الآن، لذا هي أدركت أن الجاري أي كان تسميته هو إنتفاضة حقيقية تتصاعد وتيرتها يوما بعد الآخر، وينخرط شبان إضافيين لها، وهي تخشى من أن تدفع ثمن أكبر، فالشبان لم يعد يعنيهم كل إجراءات الردع القمعية والعقابية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد