212-TRIAL- بقدر ما كان تحالف بنيامين نتنياهو مع أفيغدور ليبرمان، في الحكومة الإسرائيلية السابقة، يشد نتنياهو، وبالتالي القرار والسياسة الحكومية باتجاه اليمين المتطرف، ارتباطا بمواقف ليبرمان، الذي كان يسعى للحصول على أصوات المستوطنين إضافة لأصوات اليهود القادمين من دول الاتحاد السوفيتي السابق، بقدر ما يمكن القول بان نفتالي بينيت قد احتل موقع ليبرمان في حكومة نتنياهو الحالية.
ورغم أن ليبرمان ما زال عضوا في الحكومة، وما زال وزيرا لخارجيتها، بما يشير، كما جرت العادة في تشكيل الحكومات الإسرائيلية، على أن يتولى الخارجية الرجل الثاني في الحكومة، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة، ومن ثم التشكيل الجديد للحكومة، إضافة إلى اضطرار ليبرمان للتواري عن العمل السياسي فترة استجوابه في دعاوى قضائية، لها علاقة بالفساد وتبييض الأموال، جعل من بينت ممثلا لقطب اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الذي يقوم بشد نتنياهو إلى جهة التطرف، مقابل تومي لبيد وتسيفي ليفني.
لقد كان نفتالي بينيت ممثلا صريحا للمستوطنين، الذي حاز حزبه "البيت اليهودي" في انتخابات الكنيست الأخيرة على أعلى الأصوات في صفوفهم، لذا فان مواقفه في الحكومة واضحة وصريحة، تتميز بالتطرف تجاه الجانب الفلسطيني، إن كان على مستوى رفض التفاوض معه، أو في كل ما يتعلق بالسلطة ومواقفها، لدرجة أن تتابعت تصريحات بينيت " النارية " ضد السلطة وضد رئيسها، وكان آخرها، يوم أمس، الخميس، حيث شن الوزير الإسرائيلي المتطرف هجوما على الرئيس محمود عباس ، واصفا إياه بأنه إرهابي خطير.
أقل ما يمكن أن يقال في بينت بهذه المناسبة، هو انه ينطبق عليه قول المتنبي، الشاعر العربي: وإذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كاملُ!، لكن وحيث أن هذا الكلام لا يخرج من رجل عادي، أو من عابر سبيل، بل من رئيس حزب، شريك أساسي في الحكومة الإسرائيلية، فان تصريحاته ومواقفه، يجب أن لا تمر مرور الكرام، بل يجب تتبعها، للتأكيد وللتدليل على أن الحكومة الإسرائيلية، إنما هي حكومة عاجزة عن التوصل إلى حل مع الجانب الفلسطيني، وغير قادرة على صنع السلام في المنطقة.
ولأنها حكومة، بلا عقل، أو على الأقل، أنها حكومة بلا رؤية إستراتيجية، ما دامت تخضع لاعتبارات أصوات الناخبين، بمن فيهم المستوطنون، فإنها ستظل تعتقد بأنه يمكن التعامل مع الحالة الفلسطينية، وفق أدوات الأمن، من قمع، اعتقال، حواجز، وما إلى ذلك، وانه يمكن الاستمرار بالاحتلال إلى ما لانهاية، تماما كما كان يعتقد الحكام الطغاة، في بعض الدول العربية، التي تنتفض شعوبها على الاستبداد منذ بضع سنوات، نجحت خلالها في إسقاط عدد منهم، بل وفي تحقيق ما كان يمكن اعتباره ضربا من المستحيل.
لقد تحولت الحملة الأمنية الإسرائيلية بالبحث عن المستوطنين الثلاثة، إلى "لعبة" تثير السخرية في الشارع الإسرائيلي، بما دفع إسرائيليين اثنين، لم يتجاوزا الرابعة عشرة للاتصال بالشرطة، لإبلاغها بأنهما مخطوفان في بتاح تكفا، فيما كان جندي قبل يومين يشد من أعصاب الشرطة الإسرائيلية لمدة ساعتين، بعد اتصاله بها، لإبلاغها بأنه مخطوف، وتبين انه على متن حافلة! بعد نحو أسبوعين، يقال بأن إسرائيل تستعد لوقف الحملة، التي كانت قد بلغت ذروتها، بتحريض بينت لنتنياهو على اقتحام مؤسسات السلطة، وإسقاطها، لولا تدخل لابيد وليفني في اللحظة الأخيرة، كما حدث في مناسبات سابقة عديدة، ويقال بأن إسرائيل ستكتفي بالمتابعة الأمنية، أي الاستخبارية، ربما في انتظار أن يشعر الخاطفون بالطمأنينة، بعد توقف حملة المطاردة والبحث، لعرض شروطهم، بما قد يدل عليهم، أو بما قد يؤدي إلى الكشف عن حقيقتهم وعن طبيعتهم، بعد القيل والقال، الذي تبع الإعلان عن الخطف، من أن هناك أكثر من جهة، كان آخرها _ حزب الله _ قد أعلنت تبنيها للعملية!
تريد إسرائيل، من خلال نشر بيانات تبني العملية، أولا، التأكيد على أن عملية الخطف حقيقية وليست لعبة ولا مزحة، ثم أن جماعة فلسطينية هي المسؤولة عن الخطف، لتبرير كل ما فعلته من قتل وجرح واعتقال وتدمير مؤسسات، وتخريب بيوت خلال الأسبوعين الماضيين.
لكن هناك ما هو اخطر _ برأينا _ وهو أن إسرائيل، سعت لاستثمار الحدث، أيا تكن الحقيقة حول وقوعه من عدمه وحول تفاصيله، لإضعاف الموقف الفلسطيني، ومحاولة شل قدرته على المقاومة، بل وعلى مواجهة تدبير أو مخطط إسرائيلي قادم، قد يكون على الأرجح هو البدء بتنفيذ خطة بينيت الخاصة بضم المستوطنات، لملء الفراغ الناجم عن توقف المفاوضات، حيث يمكن فعلا البدء بإجراءات الضم، من خلال تدابير أمنية، تبرر بدعوى الحفاظ على حياة المستوطنين، من خلال حماية الطرق وحدود المستوطنات، وربطها بإسرائيل، وعزلها أو إخراجها في الوقت ذاته من النطاق الفلسطيني، أي إزاحة خط الحدود من الجدار العازل إلى جدار جديد وراء المستوطنات، والمقصود بالطبع ضم المستوطنات واعتبارها كجغرافيا، من ملف تفاوضي إلى جزء من دولة إسرائيل، حتى تكون المستوطنات إسرائيلية كما هو حال المستوطنين، فيكون الضم رسمياً، إن سمحت ردود الفعل بذلك كما تم ضم القدس والجولان، أو فعليا على الأقل بما يجعل من تفكيك المستوطنات النائية مستحيلا ضمن أي حل مع الفلسطينيين، وبذا يكون بينيت قد حقق برنامجه السياسي بيد نتنياهو، وليس بيده!
Rajab22@hotmail.com 208

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد