بعد القراءة السابقة في مقابلة د. رمضان شلح مع قناة الميادين، حيث أحدث المقال نقاشا قد يكون واسعا في أوساط حركة الجهاد الاسلامي ومناصريها، وهو بنظري ظاهرة ايجابية في ظل حالة الركود الوطني رغم خطورة المرحلة، وصراحة لا أنكر أنني استفدت من التعليقات التي تحدث في صلب الملاحظات التي دونتها في مقال رأي وهو حق مطلق لي ولغيري ما دام يلتزم بأدب النقاش والتحليل ويبتعد عن الشخصنة والتجريح، أيا كان مستوى قراءتي للمواقف التي أعلن عنها د. شلح، وحزني من الردود "الصبيانية" التي تركت الفكرة والملاحظات لجهة شخصنة الامر، وهو يدلل على ضعف الناقدين وقوة ملاحظاتي، و إجراء بعض المتطوعين اتصالات بمواقع نشرت المقال والطلب منهم حذف المقال، وهو ما تم فعلا للأسف، ولاحترامي لأصدقائي المشرفين على المواقع لن أتطرق لاستجابتهم للضغوط الشخصية التي مورست عليهم، مما يؤكد هشاشة مساحة الحرية والتعبير عن الرأي لدى الأوساط الاعلامية الفلسطينية، وهو أمر محزن لكنه يجب أن لا يحول دون السعي للتعبير عن آرائنا حيال شخصيات عامة وجماعات فلسطينية، لنا الحق في حمايتها بالنقد واهداء العيوب التي نراها لهم، والمطلوب منهم التعامل مع الرأي الناقد أو المخالف بنفس القدر من الاحترام، أما التعليقات "الصبيانية" والتجريح الشخصي سأترفع عنه واترك الأمر لله.
حجم ردود الفعل والنقاش حول المقابلة والمقال دفعني لاستشارة زملاء وأصدقاء لتوسيع النقاش حول المقابلة التي حاول فيها د. شلح عرض تصورات ومواقف جديدة لحركته التي يقودها على مدار 20 عاما، كما شجعني على اعادة مشاهدة المقابلة أكثر من مرة ليس من باب التراجع عما كتبت وأزعج بعض "الموظفين" في العمل الوطني، بقدر الاطمئنان لما كتبت، وبإعادة المشاهدة والتدقيق والاستماع لرأي زملاء وأصدقاء، وجدت مواقف جديدة صريحة، أو بين ثنايا التصريحات التي أعلن عنها أمين عام الجهاد الاسلامي.
المهم جدا في موقف حركة نذرت نفسها للقتال فقط ضد الاحتلال، أن تقبل بالمفاوضات غير المباشرة أو المباشرة وهي سيان كأداة سياسية تكون مفيدة للأقوياء وممر اجباري للضعفاء، حيث أقر د. شلح بأن حماس تتلقى عروض من "السمسار" أو "دورية الاستطلاع"، وقبِل بأن تتحرك حماس سياسيا شريطة أن تعرض على الجهاد والفصائل ما يقدم لها من الوسطاء، اذن هنا قبول بمنطق المفاوضات التي حرمت على منظمة التحرير على مدار 20 عاما، وكان مصيرها الفشل المدوي.
واستوقفني رفض د. شلح الاجابة على سؤال المحاور الأستاذ كمال خلف حول تلقي د. شلح طلب مقابلة توني بلير برفضه التعليق وهي إجابة تحمل دلالات، فلو قال نعم ورفضت، يعد هذا موقف، واذا أجاب بالنفي مع التأكيد على رفض الطلب حتى لو تم، يعد موقف أخر، لكن احالة المستمع للغموض تحمل بالتأكيد معنى مفاده ترك الباب مواربا لكل الاحتمالات ومنها لقاء بلير مستقبلا.
قد أتفهم عاطفيا موقف البعض من رفضي التلويح بالحرب من أجل حياة أسيرين من الجهاد الاسلامي، وهنا أوضح عدة حقائق ذكرتها وأشدد عليها مرة أخرى، أهمها قرار الحرب والسلم يجب ان لا يكون حزبيا أبدا، لأن الشركاء في تحمل الأعباء يجب أن يكونوا شركاء في القرار بكل وضوح، كما أرفض أن تكون الحرب أو التلويح بها هي وسيلة المقاومة الوحيدة ضد الاحتلال مع أن القوانين والأعراف العالمية تجيز المقاومة المسلحة لكل شعب محتل ضد الجنود والمستوطنين، لكن الحالة الفلسطينية نتيجة الانقسام والصراع على السلطة الوهمية أضعف كل المشاريع النضالية وأدى الى ارتهانها بشكل أكثر انصياعا للإقليم، وهذا موضوع يحتاج مساحة اخرى يتحدث فيها من هو أعلم مني وأكثر دراية وفهما وتحليلا ولازال الباب مفتوح للنقاش من أجل حرية القرار الوطني واستقلاليته.
كما أنني أعتقد أن المقاومة السلمية التي قادها الأسيران خضر عدنان ومحمد علان هي تطور كبير في الوعي الفلسطيني لإساءة وجه اسرائيل، وهو نضال سلمي يستند الى فلسفة انسانية متناقضة تماما مع مفهوم المقاومة العسكرية بإطلاق الصواريخ فقط، واسناد هذا النضال الفردي لعلان وعدنان يستوجب دعم ينطلق من نفس الفلسفة النضالية، بإسناد شعبي وجماهيري واسع فشلت فيه السلطة والفصائل فيما كنا نراه من حشود بسيطة سريعة التبخر والتبعثر في ظل حالة الاحباط العامة التي أنتجتها ممارسات السلطة والفصائل.
وبصراحة شديدة قرار الأسيرين عدنان وعلان هو فردي لم يأتي بقرار جماعي توافقي من الأسرى أو حتى شريحة الأسرى الاداريين ضمن خطة تلزم الجميع بالوقوف معها وخلفها كموجة نضالية وطنية ضمن معارك نضال وطنية شهدناها في الاضرابات الجماعية للأسرى سابقا، وهذا لا يعني أبدا رفض قيام أبطال من شعبنا ببطولات فردية تؤكد أن الانسان فلسطيني حالة نضالية انسانية مبدعة تجاوزت كل تجارب الشعوب في السعي للحرية والكرامة، لكنها تجربة تحمل مخاطر سيدفع ثمنها الأسرى مستقبلا برفع سقف الاضراب عن الطعام لأكثر من شهرين، مدة قد يستغلها الاحتلال للعبث بحياة أي أسير أو مجموعة أسرى مستقبلا، واعتقد أن هذه الزاوية بالذات بحاجة لنقاش من قبل المختصين والمعنيين.
المهم الذي سأثيره في مقالات قادمة، أن قوة الجماعة الداخلية من خلال توسيع دائرة التفكير واتخاذ القرار، والادارة الناجحة للفعل التنظيمي من اجل خدمة الجماهير والانسجام مع تطلعاتها وهمومها، والشفافية المالية، بعيدا عن الأمراض التي أصابت فصائلنا في علاقاتها الداخلية والخارجية لدرجة الترهل، كلها أسباب تضعف الجبهة الداخلية جزئيا وكليا وتدفعنا للذهاب شرقا وغربا ضعفاء يجرنا الاقليم من عيوبنا وخرائط الولاء المتشابكة مع المال والأمن، ولا شك أن الجميع متضرر من ضعف حركاتنا الوطنية الذاتي، وتفشي مظاهر الانحراف القيمي كأساس لكل الانحرافات.
أخيرا اثارة النقاش حول المواقف السياسية في الساحة الفلسطينية لا يضيق بها درعا الا الصغار في حجمهم الوطني ووعيهم السياسي، وان الفكرة لا تناقش الا بالفكرة الأصوب، والرأي بالرأي حتى لا يستمر الانهيار الوطني.
اننا يا سادة نقرع جدار الخزان على ظهر مركبة تسير بسرعة في وادي سحيق، ولن أتوقف عن طرق جدار الصمت بما أتيت من شجاعة ووعي تتلمذ على يد التجربة الوطنية الفلسطينية والعربية، وتعلم من كتاب وقامات كبيرة، وما زالت أصبو للمعرفة التي تلقي حجارة في المياه الراكدة، وأجدد شكري لمن علق بالتأييد أو المعارضة على ما كتبت وما سأكتب بإذن الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية