جان دارك، أو، عذراء أورليان هي شابة فرنسية أرثوذكسية عاشت تسع عشرة سنة فقط، هي إحدى أبرز أبطال أسطورة القرن الخامس عشر، ولدت عام 1412م وحرقت عام 1431م، ادعت هذه الفتاة الصغيرة وهي في العاشرة من عمرها أن وحياً إلهياً، يوحي إليها بالمستقبل، وأن هذا الوحي أمرها بأن تساعد الملك الفرنسي، شارل السابع في حرب المائة عام ضد الإنجليز، وصلت أخبارُها للملك فآمن بنبوءتها، واستدعاها لتكون بمثابة رئيس هيئة أركان الجيش الفرنسي، وتمكنت من السيطرة على الملك روحياً، لدرجة أن جيش فرنسا حقق بعض الانتصارات الصغيرة، نسبت لعذراء أورليان! غير أن الإنجليز أسروها وأخضعوها للاستجواب وجرى إدانتها بتهمة الهرطقة، فقُتلت ثم أحرق جثمانها، ولكن الكنيسة الكاثوليكية اعتبرتها قديسة بعد أربعة قرون، عام 1920م!

استعدتُ هذه القصة في الألفية الثالثة بعد متابعتي للرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، لأن نسخة جديدة من جان دارك ظهرت واضحة عند دونالد ترامب ذي الشخصية المملوءة بالإثارة، فهو قد نجح أولاً في التغرير بالجماهير في قاعة المصارعة الحرة، وجعل المشاهدين يؤمنون بأن ما يجري على الحلبة ليس رياضة محسوبة ومتفقاً عليها ولها مخرجون سينمائيون، بل إنها مصارعة يونانية تنتهي بموت البطل!

أما جان دارك دونالد ترامب فهي امرأة أميركية، اسمها، باولا متشل وايت، وهي تنتمي إلى الكنيسة البروتستانتية الإيفانجيلية وُلدت عام 1966، هي اليوم شخصية بارزة في هذه الكنيسة، ولها منصات إعلامية عديدة وقسيسة في علم اللاهوت، وهي تماثل لقديسة جان دارك في ادعائها بأنها تتلقى الوحي من السماء!

هذه (القديسة) البارزة هي اليوم من أهم الشخصيات في طاقم ترامب، وهي التي أدخلته في المسيحيانية، وأشرفت على إعادة صياغته من رجل علماني طائش إلى شخصية دينية مقدسة، ومبعوث إلهي!

آمن دونالد ترامب بمعجزاتها كما آمن شارل السابع بجان دارك، اتصل بها ترامب عام 2002 واستقدمها لمدينة اتلانتا لغرض تدريس الإنجيل، ثم استضافته، (القديسة) باولا في برنامجها الديني عام 2016م لغرض تدشينه في مذهبها الإيفانجيلي، أمسكت بذراع ترامب في كنيسة الملك يسوع الدولية في ميامي بحضور أكثر من سبعة آلاف مصلٍ من الإيفانجليين وقالت له: «نحن نحبك لأن الله اختارك لتنفيذ أوامره»!!

قال قسيس الكنيسة نفسها لدونالد ترامب: «أنت الملك قورش الكبير، فهو منقذ اليهود المشتتين من السبي البابلي، وهو الذي أعادهم إلى القدس (أورشليم) مرة أخرى!

نشرت صحيفة الواشنطن بوست عام 2017، تقريراً صحافياً عن علاقة ترامب مع القديسة باولا وايت: «اتصل دونالد ترامب في بداية الحملة الانتخابية الأولى للرئاسة عام 2016 بهذه (القديسة) وقال لها: هل يمكنك دعم ترشيحي للرئاسة؟ قالت له: يجب عليَّ أولا أن أستشير الله في ذلك! عقدت مجلساً كنسياً يتكون من خمسة وثلاثين قساً إنجيلياً في برج ترامب في منهاتن، تُليت فيه الصلوات، حيث جرى ترسيخ دونالد ترامب كمبعوث إلهي لهذه الكنيسة، أصبحت، باولا وايت المسؤولة عن تجنيد ملايين المنتخبين من التيار الإيفانجيلي في المجتمع الأميركي»!

قال عنها متشل كوهين وهو أبرز محامٍ لدونالد ترامب: «إنها أقرب الشخصيات له وهي ذات نفوذ كبير عليه وعلى أسرته»! هذه (القديسة) هي أول قسيس امرأة شاركت في حفل تنصيبه الأول يوم 20-1-2017، عينها ترامب مستشاراً للشؤون الدينية في طاقم مكتبه.

بعد أن دشنته باولا كمبعوث إلهي حظي ترامب بدعم أكبر تجمع مسيحاني صهيوني إيفانجيلي من الجمعية الكبرى وهي (مسيحانيون من أجل إسرائيل) هذه الجمعية يبلع عدد أعضائها في عام 2024 عشرة ملايين بروتستانتي إيفانجيلي، وهم المتبرعون بأكبر دعم مالي لإسرائيل، ولهم نفوذ كبير في الكونغرس!

أما القس البارز، فرنكلين غراهام، المُقرَّب والمغرم بقدرات ترامب، فيعلن صباح مساء في برامجه الإعلامية: «يجب أن تكون القدس بأسرها إسرائيلية حتى تتحقق النبوءة بعودة الماسيح المنتظر»!

كل ما سبق مؤشر على أن طاقم دونالد ترامب الرئاسي سيكون مكلفاً بتحقيق طموحات هذا اللوبي الأصولي السلفي الكبير، وقد بدأه ترامب في عصر ولايته الأولى عندما أعلن موافقة أميركا على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بأنها عاصمة إسرائيل الموحدة، تمَّ ذلك بتحريض من نائبه السابق، مايك بينس القس الإيفانجيلي، وبتأثير القس الكبير المسيحاني، ديفيد فردمان اليهودي المسيحاني أحد داعمي مستوطنة بيت إيل، وهو من طائفة الكوهانيم اليهودية، هذا الحاخام كان سفير أميركا في القدس، وقد احتفل ب فتح نفق الحجاج أسفل المسجد الأقصى في حي سلوان بالقدس!

ها هو ترامب بتوجيه باولا وايت يعين للقدس سفيراً جديداً، وهو أيضاً من فريق باولا، وهو القسيس، مايك هوكابي، وهو بالتأكيد سيواصل مهمة سلفه فردمان في اغتصاب ما بقي من القدس، ومن ضمن الخطة ترحيل أكبر عدد من ساكنيها الفلسطينيين لتصبح صالحة لإتمام النبوءة المسيحانية!

أخيراً يجب أن نتذكر بأن تأثير الرؤساء في أميركا لا يشبه تأثير الرؤساء في الدول الديكتاتورية، حيث الدولة هي الحاكم والحاكم هو الدولة، إذ أن نسبة تأثير الرؤساء في أميركا يخضع في الغالب للدولة العميقة!

أخيراً، أخشى أن تكون هذه الدولة العميقة هي مصدر كل ما يجري في أميركا والعالم، هذه الدولة تتبنى اليوم العقيدة المسيحانية الصهيونية!

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد