هل ستنتهي الحرب ومتى؟ هو السؤال الذي يشغل غرقى غزة الذين يتعلقون بقشة الأمل أو بخبر عابر يقوله سياسي من الدرجة الثالثة أو بكاتب إسرائيلي يطالب مثلهم بوقفها على أمل أن يكون لهذا الكابوس نهاية فقد طالت أكثر مما يجب وحصدت أكثر مما يجب وتركت من الندوب على روح الفلسطينيين أكثر مما يجب وستترك من التشوهات النفسية والجسدية أكثر مما يجب، فقد انفلت عقال الإسرائيلي أكثر مما يجب، وبين يأس وأمل يعيد الغزيون السؤال الكبير.

أعترف، نحن الكتاب، ومعنا الساسة والمفكرون وكل المشتغلين بالهم العام بأن ليس لدينا مخرج من هذه الورطة، وفي لحظة لدينا خشية من الحديث عن أي مخرج ولا نكتب كل ما يمكن أن يُكتَب فبعضه محبِط وبعضه بلا جدوى بعد أن وقعت الواقعة ولا يقال كل ما يجب أن يقال لأن حساسية النقد ترتبط بالعقل العربي البدائي ليبدو وسط الحرب كأنه نوع من الخذلان لندور حول أنفسنا فيما يستمر نزيف الدم ونزيف الجوع ونزيف الوجع الذي لم تعد تحتمله الجبال.

«نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب» وتلك قالها القيادي الكبير في حركة حماس ومسؤول ملف مفاوضات إنهاء الحرب خليل الحية وهي بالتأكيد ليست بشارة لسكان القطاع وإن كانت معروفة منذ أشهر طويلة، فإسرائيل التي تجد في هذه الحرب فرصة لسحق قطاع غزة الذي لم يتوقف عن مقارعتها منذ إنشائها لينتهي الأمر بضربة هي الأعنف في تاريخها قامت بها حركة حماس بما تملك من قوة حشدتها لعقود ذهبت فيها الحركة كلها بعملية استشهادية، صحيح أنها لم تتوقع كل ما حصل من ردود فعل نتاج جهل الحسابات لكن المراقبين يرون ذلك منذ الأيام الأولى أو مباشرة بعد حدث السابع من أكتوبر.

وضعت اسرائيل منذ بداية الحرب هدفاً يكاد يكون وحيداً وهو تدمير «حماس» وإنهاء حكمها للقطاع، أما الأسرى فتلك قصة لم تكن بتلك الأهمية كما اعتقدت الحركة لسببين، الأول حجم الضربة التي تلقتها اسرائيل كانت أهم بكثير من حياة مائتين وأربعين شخصاً «سعر الأسرى في بورصة السياسة يهبط ويصعد أحياناً حسب الطرف فإن أسيراً واحداً يشل الدولة لكن في لحظة الحروب الوجودية وتهديد المشروع لا قيمة كبيرة للأسرى مهما بلغ عددهم»، ولأن نتنياهو قرر هذه المرة أن يردع خصوم اسرائيل عن تكرار أسر إسرائيليين وتحويل الأسرى إلى عبء على آسريهم فمارس كل هذا الخداع الذي رأيناه في مراوغات الصفقات والشكوى الدائمة من المفاوضين الإسرائيليين حول تقويض الصلاحيات.

لم يعد النقاش في حكومة اسرائيل حول استمرار الحرب على غزة أو وقفها بل حول الاستيطان في غزة أم لا وحول آلية الحكم وتوزيع المساعدات بعد أن تمكنت تحت جنح الحرب من شطب « الأونروا »، أما احتلال غزة والبقاء في محور نتساريم وخط فيلادلفيا المحاذي للحدود المصرية فهذا أصبح جزءا من الواقع وليس كله فالواقع أشد وطأة حيث تدمير كل ممكنات الحياة في القطاع، صحيح أن اسرائيل تسيطر بشكل فعلي على جزء من أراضي القطاع وتقيم فيها منشآت عسكرية دائمة لكنها عملت على تصحير باقي المناطق وإعدام الحياة فيها وحشر الناس في خيام في شريط ساحلي ضيق لممارسة تعذيب يهدف إلى كي وعي الغزيين «المتعِبين لها» والمتَعبين منها.

ما العمل، إذاً، أمام هذا الواقع شديد الصعوبة وبعد أن فقد الفلسطينيون قدرتهم على التأثير في الأحداث، الفلسطينيون بمجموعهم أصبحوا على الهامش ينتظرون ما هو أسوأ بعد تسلم الرئيس الأميركي المتهور وطاقمه المتعصب لإسرائيل مفاتيح البيت الأبيض، وبعد أن بدا أن العالم الدولي عاجز عن وقف الحرب وأن العالم العربي والإسلامي أقل كثيراً من أن يحسب له حساب، وكما قال المفكر الروسي الكسندر دوغين، «في مواجهة اسرائيل، تتصرف الدول الإسلامية وكأنها كيانات لا وجود لها واتضح أن كل هؤلاء المحاربين المتبجحين لا يجيدون إلا قطع رقاب الأبرياء والعزل بأوامر من واشنطن .. لقد مر وقت طويل منذ أن شهد العالم هذا الإذلال الواضح للإسلام».

وإذا كانت حكومة اسرائيل ورئيسها يبررون الحرب بالقتال ضد حركة حماس وإذا كانت الحركة غير قادرة على التأثير على مجريات الحرب فما العمل حينها؟ بالنسبة للحكم فالحركة تدرك أنه لن يكون بمقدورها أن تحكم غزة ليس بسبب الملاحقات الإسرائيلية وحسب بل بسبب تبعات التكلفة التي تتجاوز إمكانيات حركة الإخوان المسلمين في العالم، ولكن القصة في القتال المسلح والذي يتوقف عند لحظة وصلها عرفات في بيروت حين أدرك أن الاستمرار هو عملية انتحار ومغامرة بما تبقى من الرجال والمدينة فقرر الخروج بقواته من بيروت.

حين أدرك عرفات ألا تغيير في موازين القوى وأن المدينة في طريقها للدمار وأن الرجال في طريقهم للفناء جمع كل الفصائل والأحزاب وعرض عليهم فكرة الانسحاب ليوقع اسمه في آخر الاتفاق، فهل يمكن لحركة حماس أن تدعو للقاء وطني يضم الجميع يتم فيه بحث أي فكرة تنهي الحرب أو تقطع عليها الطريق يتم تغليفها في الغلاف الوطني باعتبار أن كل الشركاء مسؤولون عن الشعب الفلسطيني وليس وحدها؟ تلك باتت مهمة الحركة السياسية بعد أن استبسل مقاتلوها لما يقارب من أربعة عشر شهراً فحروب التحرير الشعبية تعتمد على الضرب والانسحاب وحركات التحرر ليست جيوشا نظامية حتى تقف أمام جيش منظم فتلك طاقة لا تقدر عليها، فهل يمكن اتخاذ قرار بانسحاب المقاتلين مقابل سحب الجيش الإسرائيلي من غزة؟ هذا بحاجة لفحص من وسطاء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد