الآن ستتراجع غزة عن نشرات الأخبار ولن نجد تغطيات واسعة كما كانت من قبل لما يجري في القطاع الذي يتعرض لحرب إبادة طاحنة منذ قرابة العام.

لا أحد سيتحدث كثيراً عن غزة لأنها ستكون الساحة الأقل تفاعلاً على صعيد التغطيات حيث سيكون التركيز كله على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في لبنان واحتمالات تصاعد الحرب وتطورها ووصولها لمآلات لا أحد يعرفها.

لن تغيب غزة تماماً لكنها لن تحظى بما كانت تحظى به من تغطية حين كانت ساحة المعركة الأساسية وكان ما يجري فيها هو المقياس لكل ما يجري في المنطقة من تفاعلات. وفيما سيكون الجميع منشغلاً فيما يجري في لبنان فإن ما تقوم به إسرائيل وجيشها في غزة سيكون تحت غطاء كثيف من الأخبار العاجلة القادمة من الجنوب اللبناني ومن بيروت ومن مدن الشمال مثل صفد وحيفا وغيرها.

لا أحد يعرف أين ستنتهي الأمور لكن المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيوسع من عملياته في غزة وسيزيد من ضرباته التي لم تتوقف يوماً لأنه يعرف أن الجميع مشغول فيما يجري في لبنان وعليه فإن ما يقوم به لن يحظى بالكثير من الاهتمام.

المؤكد أن الجيش الإسرائيلي ليس بحاجة لأعذار لارتكاب المجازر وقتل المزيد، ولكن أيضاً ثمة سياقات تساعد أكثر في جعل الأمر يمر دون جدل ودون التفات من المؤسسات والقوى الدولية.

يكاد المتابعون ينسون أن جرائم الاحتلال في الضفة الغربية زادت مثلاً منذ السابع من أكتوبر، وأنه يمكن رصد حالات قتل واغتيال شبه يومية في مخيمات ومدن وبلدات الضفة الغربية.

وكل ذلك يمر تحت غطاء التغطية الكثيفة للأخبار من غزة. هناك تغطيات لما يجري في الضفة الغربية ولكن المؤكد أن وتيرة جرائم الاحتلال تزايدت في الأشهر الأخيرة ونكاد في الفترة الأخيرة نسمع عن حالات اغتيال وقتل لفتيان بشكل يومي بجانب الاجتياحات وإخلاء الأماكن السكنية والاعتقال.

المئات استشهدوا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر وفيما يتم استذكار ذلك إلا أنه يتم باعتباره شيئاً هيناً لما يجري في غزة، وهو كذلك في الحقيقة لكنه خطر أيضاً.

ويمكن ملاحظة كيف بدأت قوات الاحتلال اتباع نفس السياسات التي تستخدمها في غزة في الضفة الغربية.

مثلاً بدأت سياسات مراقبة الأماكن بالطائرات الزنانة ثم بدأت هذه الزنانات تقوم بتنفيذ مهام قتالية واغتيالات، كذلك الأمر باستخدام طائرات حربية مختلفة لتنفيذ مهام قتالية في أماكن سكانية مكتظة.

أيضاً في بعض الحالات صارت تتم حالات تهجير جماعي لسكان بعض المناطق تحت حجة قيام الجيش بتنفيذ عمليات عسكرية فيها حيث يتم تعريف المنطقة بأنها "منطقة قتال خطرة".

كل هذه السياسات التي تتم في الضفة الغربية تتم تحت غطاء التغطية الكثيفة لما يجري في غزة. ما سيجري في بيروت سيغطي قليلاً أو كثيراً على ما يجري في غزة.

لن يطالب أحد نتنياهو بالصفقة الآن. لن يخرج أحد ليقول له: إنك تهرب من الصفقة وتتهرب من استحقاقات وقف إطلاق النار. فالرجل مشغول بجبهة ساخنة يكاد التوجه لها يشكل حالة إجماع في المجتمع الإسرائيلي خاصة مع تزايد الاستنزاف في الشمال من قبل حزب الله.

الآن نتنياهو لديه ما يقوله بصرف النظر عن مآلات الحرب الدائرة في الشمال وفرص تطورها وإلى أي مدى يمكن له أن يذهب فيها، على الأقل هناك معركة جديدة مكثفة قد لا تكون جديدة بالمعنى الحرفي لكنها أخذت شكلاً جديداً.

الآن نتنياهو غير معني بالصفقة بكل المقاييس وعلى العالم أن يطالبه الآن بأشياء جديدة مثل: أوقف جبهة الشمال ولا تدع الأمور تتصاعد أكثر من ذلك.

المؤكد أنه إذا تطورت جبهة بيروت فإن الضغط الذي سيتعرض له نتنياهو هو لوقف الحرب الدائرة في الشمال وستتراجع المطالب بعقد الصفقة.

صحيح أن حزب الله قد يصر على ربط الجبهتين وصحيح أن هذا يبدو منطقياً بالنسبة للخطاب الإعلامي الذي يصدر عن الحزب لكن أيضاً مستوى النار والقصف هو ما سيحدد إذا ما كان الحزب سينجح في ذلك أم أنه سيقبل في نهاية المطاف وقفاً خاصاً بالتصعيد في الشمال.

ويمكن للمرء أن يتخيل أن ربط ساحة غزة بساحة بيروت في مفاوضات التهدئة، قد يؤثر على إحداهما تحديداً.

هل هرب نتنياهو للأمام. الواضح أنه فعل وقرر بدلاً من أن يتعرض للضغط في قضية يعرف أنها تفجر حكومته وتفجر مستقبله ربما قرر أن يوسع من دائرة المعركة ودائرة النقاش حتى لا يظل محشوراً في مربع غزة وحيداً.

الآن على معارضيه أن يقولوا له إنهم ضد إرجاع سكان الشمال إلى مستوطناتهم أو أنهم مع مواصلة حزب الله استنزاف الدولة وأنهم يفضلون أن يوصلوا الضغط على الحكومة من أجل مصالحهم الحزبية كما يتهمهم نتنياهو.

هذا الهروب إلى الأمام ستكون له تبعات كبيرة على مستقبل الحرب لأنه من غير المتوقع أن يسكت حزب الله فجأة خاصة بعد الضربات الصعبة التي تلقاها على الأقل على المستوى الاستخباراتي ومن غير المتوقع أن تتوقف إسرائيل فجأة عن مهاجمة لبنان لأنها ستحدد أهدافاً جديدة للحرب الجديدة تتمثل في عودة الأمن لسكان الشمال وربما كما طلب قائد المنطقة الشمالية إقامة حزام أمني.

لن تتمكن إسرائيل من إقامة مثل هذا الحزام لكن المؤكد أن ما يتم في الإعلام جزء من الخطط التي لا تغيب.

وفي كل الأحوال مرة أخرى ستتواصل الحرب على غزة وسينشغل الأميركيون بانتخاباتهم وسيزداد وطيس الانتخابات فيما سيظل الضحايا ينتظرون معجزة من أجل أن تقف الحرب بعد أن تدخل عامها الثاني.

وفي كل الحالات علينا أن ننتظر فترة معقولة قبل أن يفهم الجميع ما يريده الجميع.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد