مع تزايد الحديث عن جهد أميركي مصري قطري من أجل إنجاح صفقة التبادل، تصعّد دولة الاحتلال من جرائمها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
مجزرة مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزّة، التي ذهب ضحيّتها أكثر من 100 شهيد وعشرات المصابين، لم تكن الأولى، وهي ليست الأخيرة.
لقد استهدفت دولة الاحتلال خلال الأسبوعين المنصرمَين، خمسة مراكز تُؤوي نازحين، ما أدّى إلى ارتفاع معدّلات القتل والإجرام اليومي بصورة ملحوظة.
لا يتعلّق الأمر بدوافع الانتقام، أو تضخيم فاتورة الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون، بقدر ما أن ذلك ترجمة حقيقية، ومنهاجية لثقافة الصهيونية الدينية.
يتذكّر الجميع تصريحات بتسلئيل سموتريتش حين عبّر عن موقفه بضرورة محو حوّارة عن الوجود، وهذا كان قبل 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، ثم طالب بترك مليونَي فلسطيني في القطاع يموتون جوعاً وعطشاً، وبأن ذلك لا يخالف القيم والأخلاق.
تماماً كما أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يتورّع عن ارتكاب أفظع الجرائم ويشنّ حرب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، ويوصف على أنه الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم.
هذه هي دولة الاحتلال بخصائصها وثقافتها، وأهدافها، لا تجد مَن يردعها في زمن التحضّر، والتقدّم، والحرص على الإنسان والقيم الإنسانية، والقوانين الدولية، ومع ذلك فإنّها تتلقّى دعماً سخيّاً لا يتوقّف من قبل منظومة دولية، تدلّ هي الأخرى على طبيعة العصر، وطبيعة النظام العالمي السائد منذ عقود.
ترتكب دولة الاحتلال كل هذه الجرائم، وتجد خلفها "الوسيط الأميركي" حيث يحشد كلّ قدراته العسكرية واللوجستية والدبلوماسية للتغطية على ما تقوم به، ولحمايتها تحت ادعاء كاذب بحقها في الدفاع عن نفسها.
إذا كانت الدولة العبرية تستحق هذا الحق، فأيّ حقّ للفلسطيني أن يدافع عن نفسه.
مع الأسف يتساوق العالم "الغربي"، ويجرّ خلفه الكثير من المطبّلين العرب، لمنح دولة الاحتلال شرعية القتل بلا قيود تحت ذريعة الدفاع عن النفس، ولم نسمع أحداً يعطي للفلسطينيين مثل هذا الحقّ في الدفاع عن أنفسهم.
أخيراً، يصدر بيان ثلاثي للوسطاء ينطوي على قدرٍ من الجدّية إزاء توفير الظروف المناسبة لإتمام الصفقة، من خلال ممارسة الضغط على الطرفين لسدّ الفجوات الكثيرة المتبقّية.
البيان يحذّر الطرفين من أنّ هذه المحاولة هي الفرصة الأخيرة، فماذا سيحصل إن لم يتمّ التقاط هذه الفرصة من قبل الطرفين أو أيّ منهما؟
في إطار التهيئة لإنجاح الصفقة، تقدم واشنطن دعماً غير مسبوق ينطوي على حشدٍ ضخم من القطع البحرية، والطيران، والدفاعات الجوية لاعتراض الصواريخ والمسيّرات التي قد تطلقها إيران.
ليس هذا وحسب بل تجنّد حلفاءها البريطانيين والفرنسيين، وحلفاءها العرب، من أجل المشاركة في الدفاع عن دولة الاحتلال في حال شنّت إيران ضربة عليها.
ويشتدّ الضغط على لبنان و"حزب الله"، وتوجّه الولايات المتحدة وحلفاؤها "الغربيون" والعرب، تهديدات صريحة ومبطّنة من أجل منعه عن الردّ على اغتيال فؤاد شكر.
الضغط متواصل على حركة " حماس " وفصائل المقاومة، من قبل أطراف عديدة، وأيضاً من خلال الضغط الإسرائيلي العسكري الشديد على سكّان القطاع، الذين يتعرّضون للموت قصفاً أو جوعاً، أو مرضاً.
تحصل دولة الاحتلال على كلّ هذا الدعم، بينما لا يوازي ذلك أيّ دعمٍ تحصل عليه "حماس" وفصائل المقاومة، فالحصار مشدّد على القطاع، الذي لا يمكنه أن يتلقّى حتى رغيف خبز، وداعموها من إيران إلى "حزب الله"، والآخرون، يقفون عند حافّة معادلات إسناد تؤكّد حرصهم على عدم تصعيد الحرب إلى إقليمية.
الداعمون والمساندون والممتنعون، والمتفرّجون والصامتون، كل طرف يلتزم في حدود مصلحته الوطنية، ويخشى أن تصل النار إلى أذيال عباءته.
لا يحسب هؤلاء ما ينتظر المنطقة ومصالحهم الوطنية في المستقبل، إذا بقيت دولة الإجرام الإسرائيلي تعربد، وتتغوّل، وتنتهك كلّ المحرّمات، وإذا واصل هؤلاء التعاون مع قوى الهيمنة الدولية التي تطمع في استمرار السيطرة على شعوب المنطقة وثرواتهم.
واضح أنّ تأخير الردّ الإيراني، وردّ "حزب الله"، مرتبط بالجهد الأميركي و"الغربي" الهائل، الذي يحاول أن يربط بين الردّ وبين "صفقة التهدئة".
هذا ينطوي على مساومة تضع إيران و"حزب الله" أمام خيار التصعيد إذا قاما بالردّ، أو التهدئة في غزّة.
"محور المقاومة" عملياً لم يتوقّف عن الحديث عن أنّ التهدئة ووقف الحرب في غزّة مفتاح التعامل مع الجبهات الأخرى.
وبصراحة بعد مرور عشرة أيام على اغتيال شُكر وهنية، فقد تراجعت التوقعات بشأن طبيعة وحجم الردّ، وربما يتأخّر الردّ، أو ألا يأتي تحت تهديدات لإيران بأنها قد تتلقّى ضربةً لبرنامجها النووي، أو لـ"حزب الله" بأنّ المنشآت الحيوية في لبنان قد تكون هدفاً لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن لماذا لم يبادر الوسطاء، ونقصد في الأساس الأميركي الذي يملك قدرة الضغط على دولة الاحتلال، التي تتحمّل المسؤولية عن فشل كلّ المحاولات السابقة، إلى إصدار مثل هذا البيان خلال شهور سابقة؟
واضح أنّ اتفاق الشراكة الأميركية الإسرائيلية في هذه الحرب قد مكّن بنيامين نتنياهو وفريقه من المواصلة كلّ هذا الوقت، لتحقيق أهداف متفق عليها.
غير أنّ نتنياهو قد تجاوز الوقت المتاح له لتحقيق الأهداف، لكنه فشل، وجرّ فشله على الإدارة الأميركية والحلفاء "الغربيين"، وبالتالي استنزف كل الوقت دون أفق واضح لتحقيق الانتصار والأهداف التي أرادها الحلفاء.
ولكن هذا البيان جاء في وقتٍ غير مناسب، إذ إنّ جو بايدن ضعيف وهو رئيس مغادر، ولا يستطيع المجازفة بالتوقف عن دعم دولة الاحتلال حرصاً على الصوت اليهودي في الانتخابات.
لذلك فإنّ نتنياهو، الذي نجح خلال الأشهر العشرة المنصرمة في أن يتجاوز الضغوط الخارجية والداخلية ليتابع حربه الإجرامية المفتوحة، لن تعوزه الحِيَل هذه المرّة، لإفشال هذه المحاولة ودفع الأمور نحو حربٍ إقليمية، تضمن بقاءه في السلطة لأطول فترة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية