نشرت صحيفة الغارديان البريطانية يوم 27 أيار ملفا عن وسائل "الموساد" في تهديد المعارضين وبخاصة إرهاب قضاة العدالة!
وثَّق الصحافي، هاري ديفز تقريره بشهادات ثلاثة من مسؤولي أجهزة المخابرات الإسرائيلية! يتهم التقريرُ رئيسَ "الموساد" السابق، يوسي كوهين وهو من أكثر رؤساء "الموساد" قربا من مركز القرار، ليس فقط لعلاقته الوثيقة مع عائلة نتنياهو وبخاصة ابنه يائير، بل لأنه الرجل الذي قوى مركز نتنياهو عندما نفذ أكبر عملية سرقة لأشرطة كمبيوترية من إيران العام 2018 بزعم أنها تحوي ملفات سرية للبرنامج النووي، ويوسي كوهين أشرف على اغتيال مهندس الطائرات التونسي، محمد الزواري، وعلى عملية اغتيال الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا، وكذلك عالم الذرة الإيراني، محسن فرحزادة!
يُجيد، يوسي كوهين ثلاث لغات إجادة تامة، العربية والفرنسية والإنجليزية، وهو أيضا حريدي من خريج المدارس الدينية، وهو أيضا جندي سابق في سلاح المظلات، بالإضافة إلى أنه كان يستخدم صورته للإغواء، بخاصة الفتيات! يوسي كوهين ظل يعتقد باستحالة عقد اتفاقية سلام مع الفلسطينيين في عهد "أبو مازن"، لذلك كان ينادي بضرورة التخلص منه!
وهناك خبرٌ آخر عن يوسي كوهين ذكرته صحيفة، "نيويورك تايمز" وأشارت إلى أنه كان يُدير ملف التمويل القطري ل غزة ، وهو الذي أقنع نتنياهو بأن يوافق على إرسال النقود القطرية لدعم حركة حماس في غزة، نقلت الصحيفة هذا الخبر عن مركز ميمري الإسرائيلي، الذي يُشرف عليه، يغئال كرمون مستشار رئيسي وزراء إسرائيل السابقين، إسحق شامير ورابين.
أما عن مضمون الخبر السري المنشور في صحيفة "الغارديان"، فإنه يتعلق بيوسي كوهين عندما كلفه نتنياهو الضغط على رئيس المحكمة الجنائية الدولية السيدة، فاتو بنسودا، أكد تقرير الصحيفة أن سلسلة من اللقاءات جمعت بين الاثنين عقب بروز خبر استعداد بنسودا لنشر قرار المحكمة، ب فتح تحقيق جنائي في شبهة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب لقتلها الأطفال الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة في قطاع غزة العام 2021! وثق التقرير الصحافي تهديدات كوهين للسيدة، بنسودا قائلا لها: "يجب طي ملف التحقيق مع إسرائيل، لأننا سنساعدك ونعتني بكِ وبأسرتك، وإلا فإن (الموساد) سوف يضعك في قائمة المطلوبين لإسرائيل"! هددها أيضا بنشر محادثات هاتفية خاصة بزوجها وأنه استخدم تعبيرات حقيرة في التهديد! أبلغت بنسودا بعض قضاة المحكمة بذلك، غير أنهم لم يتخذوا قرارا فقررت المضي في خطتها المتمثلة بفتح تحقيق مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة حرب ضد الإنسانية، وهذا ما فعلته قبل أن تغادر منصبها وتختفي نهائيا!
ذكرني الخبر السابق بملفات عديدة تشابه ملف القاضية، فاتو بنسودا، أبرز هذه الملفات حدث العام 2009، وهو ملف القاضي، ريتشارد غولدستون، كان هذا القاضي يُعتبر عند الإسرائيليين وكل يهود العالم مفخرةً من المفاخر، فهو رئيس لجان تحقيق في جرائم الحروب في العالم، كان عضوا في مراكز القانون والحقوق، كان تاجا على جبين يهود العالم، لا يُلفظ اسمه إلا بعد لقب، القاضي اليهودي! ظلَّ اسمَه، القاضي اليهودي، إلى أن وقع في مصيدة ضميره الحي! فقاد فريقا أمميا للتحقيق في جرائم إسرائيل في عدوان الرصاص المصبوب على غزة، 2008-2009 أصدر خلاصة تقريره، بعد أن شاهد الحقائق، فأدان بخجل شديد جرائم إسرائيل.
بعد هذه الخلاصة الخجولة جدا، أصبح، غولدستون مُطارَدا من إسرائيل، نزعوا عنه أولا لقب القاضي (اليهودي)، نحتوا له لقبا جديدا يرجع إلى موطن إقامته، فصار لقبه بعد التقرير: القاضي الجنوب إفريقي! حاصروه، ثم عزلوه في وسط جاليته اليهودية، في جنوب إفريقيا، ومنعوه حتى من حضور حفل تدشين حفيده في الكنيس اليهودي في جوهانسبرغ، ثمَّ، أجبروه أن يسحب تقريره، ويعترف بخطئه، نفذَ كلَّ ما طلبوه منه، ولكنهم لم يغفروا له فانزوى، ثم انطوى، ثم أصيبَ بمرضٍ نفسي، ولم يُعثر له على أثرٍ حتى كتابة هذا المقال!
ويقع ضمن هذا الملف ما حدث لقاضٍ ثالث يوم 23 من شهر تموز 2014 حين عُيَّنَ القاضي الكندي والحقوقي البارز، وليم شاباس رئيسا للجنة التحقيق الدولية في جرائم حرب الجرف الصامد على غزة، ولكنه سرعان ما اعتذر بعد تهديد المخابرات الصهيونية وأعلن استقالته من رئاسة لجنة التحقيق الدولية، حول جرائم الحرب وذلك بسبب هجوم اللوبي الإسرائيلي عليه، واتهامه بالتحيز للفلسطينيين، سارع المطبخ الاستخباري الإسرائيلي بمهاجمته واتهمه بالانحياز للفلسطينيين في اليوم الأول لتعيينه، فقد أعلن نتنياهو قائلا: "هذه اللجنة ليست لجنة حقوق الإنسان، إنها لجنة حقوق الإرهابيين"، وأعلنت إسرائيل مقاطعة اللجنة.
قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، يغئال بلايمور: "إن تعيين شاباس المعروف بتحيزه ضد إسرائيل، يجعلنا نؤكد بأن تقرير شاباس باتهام إسرائيل قد كتب سابقا، يبقى فقط توقيع التقرير"! اتهموا القاضي بأنه عمل مستشارا قانونيا لمنظمة التحرير الفلسطينية، نظير مكافآت مالية، ونشر "الموساد" نص مقال للقاضي وليم شاباس العام 2010 قال فيه: "أُريدُ رؤية نتنياهو، ورئيس دولة إسرائيل شمعون بيريس في قفص الاتهام، لماذا يُتهم الرئيس السوداني، ويُترك رئيس دولة إسرائيل بدون اتهام؟!"
أخيرا، إلى متى ستظل هذه السطوة الاستخبارية، وطغيان العنصرية الإثنية وصمة عار في جبين العدالة والديمقراطية في العالم أجمع؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية