الحرب العالمية الدائرة رحاها في أوكرانيا، لا تزال تدفع بتداعياتها نحو المزيد من الحروب الإقليمية، التي تشكّل حلقات مهمّة نحو حروب أكثر ضراوة وخطورة على السلم والأمن الدوليين.

فشلت الحرب بالوكالة، التي تديرها الولايات المتحدة على رأس «حلف الناتو»، في إلحاق الهزيمة بروسيا، وتدمير قدراتها الاقتصادية. وكادت النتائج تكون أسوأ بكثير وأشدّ خطورة لو أنّ الحلف الشيطاني نجح في هزيمة روسيا.

يبدو أن «الغرب» الاستعماري، قد بدأ يفقد الثقة بإمكانية هزيمة روسيا، وإفشال عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فلقد بدأ الحديث المتذمّر إزاء ادّعاءات الرئيس فولوديمير زيلينسكي وطلباته التي لا تنتهي، وخطابه الذي لا يخلو من انتقادات لحلفائه «الغربيين» رغم كلّ ما يقدمونه له.

ثمة مؤشّرات على أن زيلينسكي قد يكون في أيامه الأخيرة، سواء بانقلابٍ داخلي، أو بتدخّلٍ استخباري أميركي، سيمهّد الطريق نحو تمزيق أوكرانيا، وربما حينها يمكن التوصّل إلى تسوية تحقق لروسيا ما أرادت.

وفي حين تتجّه الأنظار والتحرّكات صوب شرق وجنوب شرقي آسيا، حيث تقترب الأزمة على خلفية الصراع حول تايوان مع الصين وحول الأمن، في بحر الصين، فإنّ حروباً أخرى تندلع، وأخرى تتحضّر لاندلاع صراعات وحروب إقليمية في غير منطقة من العالم.

في الواجهة، الآن، الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر حيث استولى العسكر على الحكم وأزاحوا الرئيس المنتخب محمد بازوم.

الصراع على الحكم في النيجر، ليس حدثاً قُطرياً داخلياً ذلك أنه يكمل انقلاباً إقليمياً على الوجود الاستعماري الفرنسي الذي ظلّ ينهب ثروات القارّة السوداء، لعقودٍ طويلة.

ثلاثُ دول في عين العاصفة، فبالإضافة إلى النيجر، كانت مالي وبوركينا فاسو، قد طردتا الوجود الفرنسي، حيث اضطرت فرنسا لنقل قواتها إلى النيجر.

الدول الثلاث تشكّل المخزن الأهمّ لليورانيوم والذهب والنفط، ومعادن أخرى، كانت تعرّضت للنهب دون رحمة، وكان يمكن أن تجعل شعوب هذه الدول من الأغنى بين شعوب القارّة على الأقلّ.

النيجر، التي حرّكت مياهاً كثيرة إقليمية ودولية، دولة كبيرة تتجاوز مساحتها الجغرافية مساحة مصر، وبتعداد سكاني أقلّ يصل إلى نحو سبعة وعشرين مليوناً فقط.

ولكن بسبب الجشع الاستعماري الفرنسي والأوروبي، فإنّ ترتيب النيجر وفق مؤشّرات التنمية يقع في المرتبة 184، بين دول العالم، ويعيش نحو خمسة وأربعين في المئة تحت خطّ الفقر المُدقِع.

النيجر، أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وتزوّد أوروبا بنحو 25% من حاجتها لليورانيوم، ما يشير إلى مدى ونوع الخسارة، التي تنتظر فرنسا وأوروبا، وتضاعف خسائرها الضخمة جرّاء انخراطها في الحرب على روسيا.

ومرّة أخرى، تعمل فرنسا على إدارة المعركة، لإفشال التغيير الذي تشهده النيجر، ولكن من خلال أطراف ودول إقليمية، لا تزال تقيم علاقات مع «الإليزيه».

من الواضح أنّ فرنسا لا تتجه نحو القيام بعمل عسكري مباشر في النيجر، لأنّها بذلك تكون قد تورّطت في حربٍ خاسرة، لذلك فإنّها تحرّك دول «الإيكواس»، التي تحدثت الأخبار عن أنّها تحضّر لحشد خمسة وعشرين ألف جندي للتدخّل.

كانت منظمة الإيكواس (مجموعة دول غرب إفريقيا)، قد أعطت مهلة حتى السادس من هذا الشهر للبدء بعمليتها العسكرية، لكنها أظهرت تردّداً واضحاً، وتجاوزت المهلة بسبب خلافٍ بين أطرافها، حول أولوية العمل الحربي، ولكن، أيضاً، بسبب الموقف الأميركي، الذي لا يزال يتحدث عن جدوى العمل الدبلوماسي السلمي.

لن تتأسّف الولايات المتحدة كثيراً على ما يسبّبه الانقلاب العسكري في النيجر، بالنسبة لفرنسا، أو حتى أوروبا، وربما تحاول أن تقدّم نفسها بديلاً عن الوجود الفرنسي.

تُدرك الولايات المتحدة، أنها ما لم تنجح في أن تملأ الفراغ الذي تتركه فرنسا، فإنّ روسيا هي المؤهّلة لملء هذا الفراغ، وربما الصين، أيضاً.

هكذا تكون دول غرب القارة الإفريقية الغنية بثرواتها الطبيعية مسرحاً إقليمياً لصراع مرتقب بين «حلف الناتو» وروسيا. وبالرغم من أنّ الإدارة الأميركية تستبعد أن يكون ثمة دور لـ«فاغنر» الروسية، إلّا أنّ هذه الأخيرة، ستكون حاضرة لدعم القيادة النيجرية الجديدة وحمايتها.

النيجر لديها جيش قويّ هو الرابع من حيث القوة بين الدول الإفريقية، ويحظى بالمرتبة السادسة والثلاثين بين أضخم مئة وخمسة وأربعين جيشاً على مستوى العالم حيث يصل تعداده إلى مئتين وخمسة عشر ألف جندي، وهو قادر على الدفاع عن العاصمة نيامي والحكم الجديد.

من الواضح أنّه في حال فشلت الولايات المتحدة في أن تجد طريقها لاستمالة الحكّام الجدد في النيجر، فإنّها ستنتقل إلى الخطة «ب»، بمعنى الانضمام لفرنسا في تشجيع ودعم التدخل العسكري الخارجي أي خوض حرب أخرى بالوكالة.

اندلاع صراع مسلّح في النيجر، ستترتب عليه تداعيات أخرى خطيرة بسبب تأثيراته المباشرة على الجوار، خصوصاً الجزائر التي تملك جيشاً قوياً، وتقف بالباع والذراع مع روسيا في إطار تحالف متين.

وفي حال توسّع دائرة الصراع الحربي غرب إفريقيا فإنّ المزيد من الحروب ستندلع في أكثر من مكان في القارّة السوداء بدعمٍ أميركي فرنسي، ما قد يؤدّي إلى وقوع تغييرات قُطرية أخرى، من شأنها أن تُنهي الوجود الاستعماري برمّته.

في الواقع، فإنّ منطقة الشرق الأوسط مرشّحة هي الأخرى لاندلاع صراعات مسلّحة ذات أبعادٍ إقليمية، فعدا دوافع إسرائيل على خلفية أطماعها التوسُّعية، وأزمتها الداخلية المتفاقمة فإنّ الولايات المتحدة أخذت تعزّز وجودها العسكري بدواع ومبرّرات سخيفة.

ربّما تكون بداية الشرارة من سورية، حيث عزّزت الولايات المتحدة وجودها العسكري شرق «الفرات»، وحيث تواصل إسرائيل اعتداءاتها على سورية، ما قد يدفع روسيا لتغيير قواعد اللعبة هناك.

لا يمكن للولايات المتحدة أن تسلّم هكذا بدورها ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة، والأرجح أنّها ستعود، بالرغم من انشغالها في الحرب على أوكرانيا، والتي أخذت ملامحها تتجه نحو انتصار روسيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد