بعد اثني عشر عاماً قضاها على فترات، قيد "الحجز الإداري"، وخمسة إضرابات خاضها بنجاح، قضى الشيخ القائد خضر عدنان، من خلال جريمة اغتيال مبيّتة مع سبق الإصرار والترصُّد.
خمسة إضرابات خاضها بإرادته الصلبة، وبأمعائه الخاوية، وجسده النحيل، انتصر خلالها على الجلّاد، وانتصر في آخرها، رغم أنه تعرّض للاغتيال.
لم يكن شعار وهدف الشهيد عدنان، الإضراب حتى الموت، ولم يكن بحسبانه أن تصل الأمور إلى الشهادة رغم أنه كمؤمن، مقتنع بأنّ الشهادة نصر، لكنه بالتأكيد كان يسعى من خلال إضرابه إلى نيل حرّيته، فهو يعرف أنّه في السبيل الذي اعتنقه سيصل إلى الشهادة يوماً.
أربعة وأربعون عاماً هي عمر الشهيد، الذي لم يضيع لحظة منها إلّا وهو يُناضل من أجل التحرُّر الوطني العام والتحرُّر الشخصي، معتمداً على تجربة طويلة في التعامل مع السجّان، وإرادة لا تلين.
ثمة من يأخذ على الفصائل، والقيادات والمجتمع، بأن الجميع قصّر بحقّ الشهيد، الذي كان ربّما سينجو، لو أنّه حظي بدعمٍ جماهيري وسياسي، أفضل ممّا حظي به.
المشكلة هنا، هي أن الشهيد واحد من نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني، بالرغم من أنّه وضع نفسه في دائرة التميُّز والتركيز بسبب إضرابه الأسطوري الذي استمرّ لنحو سبعة وثمانين يوماً.
ولكن هل كان بالإمكان إنقاذه بجهدٍ سياسي وشعبي أفضل مما حظي به؟ أم أن أداة القتل الإسرائيلية المتطرّفة العنصرية الفاشية، كانت ستصل إلى النتيجة التي وصلت إليها؟
الشيخ عدنان قضى اغتيالاً، والاغتيال لا يتمّ فقط من خلال الصاروخ أو الطائرة، أو العبوّة الناسفة، أو المسدّس، أو حتى من خلال التغذية القسرية، هي سياسة ثابتة للاحتلال كل الوقت.
فلقد أصبح الشهيد الرقم 237، في سجّل الإجرام الصهيوني ضد الأسرى الفلسطينيين، ربّما، أيضاً، يُضاف جثمان الشهيد إلى عشرات الجثامين التي تحتجزها إسرائيل، بالإضافة إلى "مقابر الأرقام".
فلقد طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين بعدم الإفراج عن الجثمان إلّا مقابل الإفراج عن أولئك الأسرى إن كانوا أحياء أو أمواتاً.
ولأن استشهاد الشيخ، لم يكن أمراً طبيعياً، وإنّما مقصوداً طالما أن إدارة السجون هي وحدها التي تعرف بالضبط حالته الصحية، وهي التي امتنعت عن تقديم العلاج له، فإنّ الأمم المتحدة طالبت إسرائيل بإجراء تحقيق فوري في الجريمة.
وبطبيعة الحال فإن إسرائيل كما جرت العادة، لن تقوم بمثل هذا التحقيق، وإن اضطرّت إلى ذلك فإن التحقيق سيكون شكليّاً، ونتائجه معروفة سلفاً، فإنّه لا الأمم المتحدة، ولا "الجنائية الدولية"، ولا منصّات العدالة الدولية الأخرى، ستسعى لإجراء تحقيقات حياديّة ومهنيّة.
وحتى لو أن هذه كلها أو بعضها اتخذ قراراً بتشكيل لجنة تحقيق، فإنها ستعجز عن القيام بذلك بسبب رفض إسرائيل، ودعم الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.
بالتأكيد كانت إسرائيل تتوقّع ردّ فعلٍ انتقامياً من فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة، وإن لم يكن الردّ جماعيّاً، فإن حركة الجهاد الإسلامي، لن تُبقي دم الشهيد القائد على الأرض.
ردّ المقاومة على عملية الاغتيال جاء جماعيّاً من قبل "الغرفة المشتركة" بإطلاق رشقات قليلة من الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة ، وكان ذلك تواصلاً مع خطاب التحدّي الذي دأبت المقاومة على التأكيد عليه في الأشهر الأخيرة.
لكن الردّ، أيضاً، يشير إلى أن فصائل المقاومة لن تترك "الجهاد الإسلامي" لتخوض معركتها وحدها، الأمر الذي يعطي لإسرائيل رسالة، بأنّ عليها أن لا تبني على وقائع سابقة.
كان معلوماً أن ردّ المقاومة، سيكون محدوداً، وأنه قابل للتطوير في ضوء طبيعة الردّ الإسرائيلي، الذي جاءت الوقائع مسبقاً لتشير إلى أنه سيكون ردّاً محدوداً، واستعراضياً.
بالرغم من كثرة الحديث عن استعادة الردع، وعن استعداد الجيش الإسرائيلي لخوض معركة على جبهات متعدّدة، لكن هذا الخطاب المتبجّح سقط في الميدان ليُفضي إلى حالة ضعف وهشاشة غير مسبوقة.
واضح أنّ نتنياهو لا يرغب في ركوب مغامرة ستؤدّي إلى سقوط آلاف الصواريخ على جبهة داخلية محطّمة ومنقسمة وهشّة، ولذلك فإنه استبعد دعوة ايتمار بن غفير عن الاجتماع الأمني المصغّر لأن الأخير سيطالب بردود حازمة، لا تقوى عليها إسرائيل.
في الواقع، فإن الحديث عن الردع، تعزيزه أو استعادته، ليس قائماً أو مرهوناً بما تملك الأدوات العسكرية من وسائل القتل أو التدمير، فإن كان الأمر كذلك فإن لدى إسرائيل، ما يمكّنها فعلاً من إلحاق الهزيمة بجيوش في المحيط.
خوض الحروب والانتصار فيها يتطلّب جبهة داخلية منيعة، ويتطلّب اقتصاداً قويّاً، قادراً على تحمُّل التبعات، وفي هذه وتلك، تعاني إسرائيل من انكشاف جبهتها الداخلية، وتراجع أدائها الاقتصادي.
كان يائير لابيد و بيني غانتس حرّضا الحكومة على القيام برد واسع رادع وقوي ضد غزة، لكن ذلك على الأرجح كان محاولة لتوريط نتنياهو وحكومته في خوض معركة ستكون نتائجها كارثية على إسرائيل.
في اعترافٍ نادر نشر قسم الارتباط في الوكالة اليهودية بمناسبة مرور 75 عاماً على النكبة استطلاعاً للرأي جاء فيه أن 47% من المستطلعة آراؤهم لا يرغبون في العودة نهائياً إلى إسرائيل.
لا ترصد وسائل البحث الفلسطيني، مسألة الهجرة المعاكسة، ولا تنشر إسرائيل أيّ معطيات حول هذا الأمر، لكن تآكل الأمن والاستقرار الجماعي والفردي في إسرائيل، يشكّل دافعاً قويّاً، نحو زيادة أعداد المهاجرين الذين يعودون إلى بلادهم الأصليّة.
وفيما يبحث البعض في إسرائيل عن ذرائعَ لتبرير ضعف وهشاشة الردّ الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ في غزة، إذ يرى بعضهم أنّ أولوية الحكومة هي الضفة و القدس ، وآخرون يقولون إن الأولوية هي إيران، فإنّ الصحافي هيلل بيتون روزين مراسل القناة العبرية الرابعة عشرة، يُلقي بالحقيقة في وجوه الجميع، يقول روزين إنه "مقابل قتل خضر عدنان، إسرائيل تجثو على ركبتيها"، ويُضيف "نحن نستحق ذلك".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية