لقد اثبتت تجارب الشعوب أن لا انتصار لثورة ولا حرية لوطن وازدهار لدولة، دون نضال ومشاركة العمال والكادحين، فكان للطبقة العاملة الفلسطينية دور فاعل في الثورة الفلسطينية والانتفاضات الشعبية المختلفة وكانت عماد المجتمع وحماة الوطن، و الأكثر تميزاً بنضالاتها وعطائها وتضحياتها، وقدمت، على مدار العقود الماضية، تضحيات جسام في كافة الظروف والأزمنة، ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى. ليس هذا فحسب، وانما رفدت الثورة الفلسطينية والانتفاضات كافة برموز بارزين وقادة مميزين، وجنود رائعين في كل المجالات، وقد شكَّلوا داخل السجون البنيان الأساسي وعماد الحركة الوطنية الأسيرة.
لقد شكّل العمال والكادحين النسبة الأكبر من مجموع الاعتقالات الإسرائيلية التي سُجلت منذ استكمال الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1967، وان تلك الاعتقالات لم تطال من انخرطوا مباشرة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي فقط، وانما امتدت وطالت العديد من أقاربهم وأحبتهم. كما وشملت من وهم في طريقهم لكسب رزقهم ورزق عائلاتهم وقوت أطفالهم، وأن الكثير من هؤلاء تعرضوا للاعتقال والاحتجاز بحجة عدم حصولهم على تصاريح عمل، وصدر بحقهم أحكاما مختلفة لبضعة شهور أو تفرض عليهم غرامات مالية باهظة، أو الاثنين معاً، وفي مرات كثيرة جرى احتجاز واعتقال العمال لغرض التضييق وبهدف الضغط عليهم ومحاولة لابتزازهم ومساومتهم مقابل منحهم تصاريح الحركة والسماح لهم بالتنقل والعمل في الداخل للحصول على لقمة العيش.
وهذا ما يحصل بشكل شبه يومي مع العمال الفلسطينيين، وخاصة الشباب منهم، اثناء توجههم من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأراضي المحتلة عام 48 للعمل فيها، كما ولم يسلم العاملين في مهنة الصيد قبالة شواطئ غزة من هذا الاجراء التعسفي وبطش المُحتل ونيران الزوارق الإسرائيلية في عرض البحر. وتُفيد المعطيات الإحصائية أن غالبية الأسرى والمعتقلين القابعين اليوم في سجون الاحتلال هم من طبقة العمال والكادحين.
ان كثير من الفلسطينيين كان الاعتقال وسنوات السجن ومضايقات الاحتلال سبباً رئيسياً في انتقالهم بعد خروجهم من السجن، من مقاعد الدراسة الى سوق العمل والكدح، ومنهم من فقدوا القدرة على العمل بسبب كبر سنهم، أو جراء ما ورثوه من أمراض خلال فترة سجنهم، وقد غَزت الأمراض أجسادهم، فضاقت بهم الدنيا وتكالبت عليهم الديون وثقلت الهموم.
وهنا نخفي ألماً ووجعاً ودموعاً أحياناً، ونحن نرى صوراً لعمال كادحين وقد ناضلوا معنا طويلاً، وقدموا إلى جانبنا الكثير من التضحيات خلال مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ورأيناهم في ساحات الاشتباك والمواجهة أبطالاً، وقد تذوقوا معنا قسوة حياة السجن لسنوات طويلة، وشاركونا النضال خلف القضبان، وكنا شهود على عذاباتهم وآهاتهم وقوة إرادتهم، واليوم جيوبهم فارغة وبطونهم خاوية وبيوتهم متواضعة، بسبب ما يعانونه من عجز جسدي او نفسي، او جراء حرمانهم من قبل الاحتلال من الحق في حرية الحركة والتنقل تحت ذرائع واهية
ان أوضاع الطبقة العاملة الفلسطينية بشكل عام ولاسيما في قطاع غزة تزداد بؤساً ومعاناة، وهي الأكثر تضرراً وتدهوراً، جراء الحصار الخانق منذ سنوات طوال ومنع استيراد المواد الخام، وانعدام المشاريع التشغيلية وفرص العمل، وتدمير مئات المصانع، واستشراء البطالة، وتفكك النسيج الاجتماعي جراء "الانقسام"، حيث تُفيد التقارير الاقتصادية بأن السواد الأعظم منهم يعيشون تحت خط الفقر في أوضاع مزرية يرثى لها، في ظل مستقبل مجهول .
ان الاحتفاء بيوم العمال الذي يُصادف في الأول من آيار من كل عام، يتطلب منا الوفاء للطبقة العاملة الفلسطينية وخاصة لأولئك العمال من الأسرى المحررين، والسعي إلى توفير مستوى لائق من الحياة الكريمة لهم ولأسرهم.
ان طبقة العمال والكادحين في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، تعيش في كابوس من الظلم والقهر يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة لتحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإغاثية والقانونية وتفعيل دورهم بما يتناسب وحجم الكارثة التي يعيشها هؤلاء ومحيطهم الاجتماعي بما يكفل لهم مستوى لائق من الحياة الكريمة، في وطن حر بلا احتلال واستيطان، ودون سجون وحواجز وجدار، وبلا انقسام أيضاً.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية