اشتداد الهجمات العسكرية التي تقوم بها جهات فلسطينية مختلفة، وعلى رأسها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية وخاصة (غانيه تال)، جعلت من الصعب أن تستقيم الأمور لسكان المستوطنات وجلبت المزيد من العثرات أمام التقدم في العملية السياسية الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمترتبة على اتفاقات أوسلو، على الرغم من قيام السلطة الفلسطينية بتضييق الخناق ضد تلك الجهات، للحيلولة دون الاستمرار في شن المزيد من الهجمات، وقد قامت إلى نشر قوات عسكرية وشرطيّة للمراقبة وللمحافظة على الهدوء، ولكنها لم تكن فاعلة تماماً، حين اكتشاف أن تلك الهجمات لا توال مسامرّة، والتي كانت مفزعة أكثر للمستوطنين والجيش الإسرائيلي بشكل خاص.
في أوائل عام 2004، وفي ظل تحكّم اليمين الإسرائيلي بالسلطة في إسرائيل، في أعقاب فوزه بأغلبية مقاعد الكنيست في الانتخابات التشريعية، أعلن "أريئيل شارون" الذي كان ترأس الحكومة في ذلك الزمن، عن خطة فك الارتباط عن قطاع غزة ، والتي تعني انسحاب الجيش الإسرائيلي، وإخلاءه تماماً من المستوطنين، مع إبقاء السيطرة على منطقة (دلفي) الحدودية مع مصر.
وللإشارة، فإن هذه الخطة، لم تكن خاضعة لبنات أفكار "شارون" وحسب، بل جاءت كنتيجة لأفكار متفرّقة بناءً على دراسات استراتيجية (سياسية وعسكرية) معمّقة، قام على أثرها "إيهود أولمرت"، في ديسمبر/كانون أول 2003، وكان حينها يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، بالإعلان عن تلك الأفكار، في إطار خطّة فك الارتباط، وما سمّاها بخطوة إسرائيلية أحاديّة، وكان من جملة الدوافع باتجاه تحقيقها:
- تبييض الصورة الإسرائيلية وبخاصة اليمينية، والتي تراكمت عليها الأوساخ من كافة الجوانب، كون سياساتها باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، أصبحت محلاً لانتقادات محلية ودولية صارخة، باعتبار أن إسرائيل تقوم بتقديم تنازلات مؤلمة من أجل السلام.
- حرف الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية، بسبب الانتهاكات المتواصلة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد السكان الفلسطينيين، ومن ناحيةٍ أخرى، جلب المزيد من الوقت لعرقلة تنفيذ الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية، من خلال خلق حقائق جديدة على الأرض، والتي تشمل كافة أنحاء الضفة الغربية.
- الحصول على التأييد الأمريكي، بما يسمح بكتابة المزيد من المعاهدات السياسية والعسكرية والاقتصادية معها، والحصول على دعمها الكافي أمام الجهات والمحافل الدولية وخاصة ضد تلك الجهات التي ترغب في توجيه اللوم لإسرائيل، برغم علم الإسرائيليين بأن التأييد الأمريكي للخطّة لا يُعتبر نهائياً، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من خطة خارطة الطريق.
- تكفّل الولايات المتحدة ودول غربيّة وعربيّة أخرى بدفع التعويضات كاملة.
- زيادة الأمل في أن تؤدّى هذه الخطّة إلى زيادة الثقة مع الأنظمة العربيّة، والتقليل من كميّة العداء المتواجدة على مدار المدة الفائتة.
- الخلاص من الهجمات العسكرية الفلسطينية.
- تقليل النفقات الأمنيّة للمستوطنات.
- فقدان العامل الاقتصادي، بسبب زيادة تكلفة العمالة وقلة الإنتاج.
- ليس هناك ضرورة من استمرار السيطرة على منطقة القطاع باعتبارها ساقطة دينياً، سيما وأن لا أثر يهودي يمكن التعلل به للبقاء، وخاصة أمام أصحاب التوراة وقارئيها.
- تواجد فتاوى دينيّة، تفيد بقبول التخلّي عن أجزاء من أرض إسرائيل، درءاً لأخطار قد تصيب النفس اليهودية.
- والأهم، قطع الطريق أمام المجتمع الدولي، وإثبات أن إسرائيل هي من تصنع الحلول سعياً إلى السلام، والسلطة الفلسطينيّة هي التي تهدف إلى نسفه.
- كما أن الخطة في حقيقتها تعزز الاحتلال الإسرائيلي، والذي يمهّد لفرض السيطرة من خارج القطاع ولتسهيل فرض الحصار عليه.
- فضلاً عن أن من السهل إعادة احتلال القطاع، في حال لم تحقق الخطّة أهدافها، أو كانت هناك تهديدات مباشرة أو غير مباشرة والتي تهدف المس بالأمن الإسرائيلي.
أحدثت هذه الخطة ردود فعل إقليميّة ودوليّة، ومؤسسات مجتمعيّة وحقوقيّة رسميّة ومستقلّة أخرى، والتي كانت ما بين مُرحبة ومُنتقدة، بأن عجلة السلام بدأت في الدوران، وتم تصويرها على أنها مقدّمة لإنهاء الاحتلال، وهي تدور إلى الخلف لدى المعارضين لها والمُقللين لشأنها، باعتبارها إجراء أحادي الجانب، يتم خارج أي تسوية تفاوضيّة مع الجانب الفلسطيني... يتبع
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية