في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم الخميس الماضي، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد بأنه يؤيد حل «دولتين لشعبين» بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد برر تأييده لهذا الحل لأنه «الشيء الصحيح لأمن إسرائيل، ولاقتصادها ومستقبل أطفالها». وأيضاً لأن «غالبية الإسرائيليين لا تزال تدعم رؤية حل الدولتين»، وهو واحد منهم. واشترط «أن تكون الدولة الفلسطينية دولة سلمية، وأنها لن تصبح قاعدة إرهاب أخرى يمكن من خلالها تهديد إسرائيل ووجودها». وعملياً هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها رئيس حكومة هذا الموقف في الأمم المتحدة منذ عام 2016، عندما أعلن بنيامين نتنياهو التزامه بحل الدولتين.
وعلى الرغم من تعرض لابيد لانتقادات واسعة من الأطراف اليمينية المتشددة في إسرائيل، إلا أن خطوته هذه اعتبرت خطوة ذكية، فهو وجّه رسائل لاتجاهات عديدة لخدمة مصالحه داخلياً وخارجياً. ولا ثمن سيدفعه مقابل هذا التصريح، لأنه ليس فقط يضع شروطاً كبيرة لتحقيقه، ولا يترتب على هذا الإعلان أي موقف عملي بما في ذلك الاستعداد للبدء في مفاوضات سياسية مع القيادة الفلسطينية، بل كذلك لأن هذا التصريح لا يوضح ما هو شكل الدولة التي يؤيدها. وإذا عدنا للخلف فإن نتنياهو تحدث عن حل الدولتين ولكنه صرح بعدها بأنه يريد للفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة. ووضع شروطاً تعجيزية للحل منها عدم الانسحاب إلى حدود العام 1967، وعدم التفاوض على القدس الشرقية التي يعتبرها موحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، وعدم إخلاء مستوطنات وعدم انسحاب جيش الاحتلال من المواقع الاستراتيجية في الضفة الغربية، وعدم القبول بعودة لاجئ فلسطيني واحد لإسرائيل.
على المستوى الخارجي، استبق خطاب لابيد خطاب الرئيس محمود عباس . وأراد أن يظهر إسرائيل بمظهر من يؤيد السلام وأنه مستعد ل فتح أفق سياسي أمام الفلسطينيين، وبالتالي لا داعي لمطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة، كما لا يوجد مبرر لذهاب فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب. وايضاً لا يوجد مبرر للإسراع في اتخاذ قرار بحل السلطة أو التوقف عن الوفاء بالتزاماتها حسب اتفاق «أوسلو». واستهدف الخطاب كذلك ارضاء الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يؤيد حل الدولتين للاستعانة به للضغط على الفلسطينيين لعد اتخاذ خطوات جدية بعيدة المدى.
كما كان خطابه موجهاً كذلك للعالم العربي وخاصة للملكة العربية السعودية التي أكدت على المبادرة العربية للسلام وضرورة تحقيق اتفاق مع الفلسطينيين قبل القيام بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وهو بذلك يريد أن يقول بأنه ذاهب في هذا الاتجاه، وبالتالي من المفروض أن تقوم السعودية بخطوات تجاه إسرائيل. وبالذات بعد خيبة الأمل الإسرائيلية من عملية تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل بناء على «اتفاقات إبراهيم»، فهي لم تحقق لإسرائيل ما أرادت بالرغم من أهميتها لأمن إسرائيل ولاختراق العالم العربي. والسعودية تحتل موقعاً متقدماً جداً بالنسبة لإسرائيل في مسألة التطبيع، يفوق مواقع الدول التي قامت بذلك مؤخراً.
وعلى المستوى الداخلي، كان إعلان لابيد عن تأييده لحل الدولتين بمثابة رسالة مهمة للجمهور الإسرائيلي وخاصة الذي ينتمي ليسار الوسط والوسط، فهذا الجمهور عموماً يؤيد حل الدولتين. وبهذا يستطيع لابيد أن يميز نفسه عن بيني غانتس مثلاً الذي ينحو أكثر نحو اليمين. كما يستطيع لابيد أن يخاطب قسماً من مؤيدي حزب «العمل» المعتكفين وخائبي الأمل من تردي وضع الحزب في استطلاعات الرأي التي لا تتوقع له أكثر من 5 مقاعد. فلو استطاع الحصول منهم على تأييد ولو نسبة صغيرة فهذا قد يرفع تمثيل «هناك مستقبل» إلى أكثر من 25 مقعداً، ما يجعله يقترب من تمثيل حزب «الليكود» برئاسة نتنياهو.
ويحاول لابيد بخطابه هذا استمالة الفلسطينيين في الداخل، وبالذات الفئات التي لا تصوت تعبيراً عن خيبة أملها من الأحزاب العربية وخاصة بعد الانقسام الذي حصل في «القائمة المشتركة»، وخروج «التجمع الوطني الديمقراطي» من هذه القائمة وتبادل الاتهامات بين «القائمة» و»التجمع» حول السبب في هذا الانقسام. وبدون شك فأي تصويت للفلسطينيين لصالح لابيد سيعزز موقفه كثيراً وربما يقود ذلك إلى فشل نتنياهو في تشكيل حكومة بعد الانتخابات، وبالتالي ضمان بقاء لابيد رئيساً للحكومة بائتلاف قد يكون أوسع وأكبر من القائم حالياً. طبعاً، وفي هذا السياق هناك أهمية خاصة لتجاوز «التجمع « نسبة الحسم وحصوله على أربعة مقاعد وضمان تمثيل عربي بما لا يقل عن 12 مقعداً. فهذا في حد ذاته يمثل إغلاق الطريق أمام عودة نتنياهو.
الطرف الوحيد الذي لم يوجه له لابيد خطابه هو القيادة الفلسطينية، لأنه لا يعتقد أن الوقت ملائم للبحث في التسوية السياسية، هذا من جانب، ومن جانب آخر هو لا يريد الالتزام بأي شيء قبل تشكيل الحكومة القادمة التي قد تعتمد على أحزاب يمينية ترفض فكرة الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ. لهذا هو يفضل إبقاء الفلسطينيين بعيداً عن أي حوار جدي في هذه المرحلة والاكتفاء بتصريحات عامة لا تلزمه باي خطوة عملية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية